المثقف هو ذلك الإنسان الواعي الورع الفطن المتعلم القائد الشجاع لا يخشى قول الحق حتى إن قتله. المثقف هو قائد للعامة و مستشار للخاصة وخريطة للتائه و جواب للسائل، يسبق مصالح الأمة مصالحه و لا يتوانى في الدفاع عن المظلوم و الوقوف في وجه الظالم و التضحية في سبيل الحق.
لكن اليوم، في مجتمعاتنا الإسلامية عامة و المجتمعات العربية خاصة نلاحظ فتور المثقف عن أداء الواجب المنوط به ، فمثقفونا اليوم لا يهمهم إلا مصالحهم الشخصية و لا يِؤرقهم إلا إرضاء السلاطين الملوك و الرؤساء الظالمون لشعوبهم و المعتدون على حريتهم .المثقف اليوم لا يخجل من استغلال المواطنين البسطاء و استعمالهم لتحقيق مآربه و جمع غنائمه و اقتطاع نصيبه من ثروة الأوطان التي بنيت و استقلت على جثث البسطاء المظلومين المغلوبين على أمرهم .
المثقف اليوم استقل من وظائفه في مجتمعه و أمته ، فتخلى عن القيادة ذرأ للمشاكل و تخلى عن الكتابة دفعا للحساب و تخلى عن توجيه المواطنين البسطاء للحق و انتقاد السلطان الجائر ، الملك الظالم و الرئيس الخائن هروبا من مواجهة الحاكم مها كان اسمه و مهما كانت رتبته خوفا من بطشه .متى كان المثقف يخشى على نفسه و يسكت عن الحق ،متى كان المثقف يهرب من الحق و يصفق للباطل و حتى إن سكت عن الباطل فهو كالمصفق له ، من ينتقد الظلم و الجور و يقف في وجه الباطل و الفساد إن تخلى المثقف عن وظيفته السامية و دوره الفعال في بناء الأمم و المجتمعات .
أقف حائرا مندهشا و مكذبا لما أرى طلبة الطب يتذمرون من معاملة الأساتذة لهم و ظلم الإدارة ، لا يحركون ساكنا مهما أذلوهم و احتقروهم ،فهم لا يعرفون غير الانتقاد و التذمر ،فمن ينتظرون؟ من يرفع عنهم الظلم الذي هم فيه ؟ومن ينصفهم و هم لب المجتمع و قلب الأمة و لم يحركوا ساكنا و تنصلوا من مسؤولياتهم ؟
لا أدري هل أبكي أم أضحك لأني لم أعد أفرق بين حزني و فرحي ،كيف لا و صديقي محاميا و يخبرني كل يوم كل ساعة عن معاملة القضاة لهم ،كيف لقاضي أن يمنع محاميا من الكلام و يحط من قدره أمام الملء و لا يحرك المحامي ساكنا ، إذا سمح جدار الأمة في حقه و حق من يحتمي به فمن يا ترى يدافع عنا اليوم و غدا. لا أعلم هل انتحر أم أبقى أشاهد الذل و العار، كيف لنائب و ممثل للشعب في قبة البرلمان أن يسكت عن الحق و يسمح لرئس البرلمان أن يهينه و يسكته و هو نائب مثله و ليس له سلطة عليه ، ألا يعلم النائب المهان أنه بسكوته عن الإهانةة فقد أهان من وضعوا ثقتهم فيه و هم عدة ألاف من البسطاء ، بمن نستعين إن كان من أوكلنا لهم حفظ كرامتنا و نقل أصواتنا هم نفسهم ليست لهم كرامة .
تتعدد صور تنصل المثقفين اليوم من أدوارهم و وظائفهم في مجتمعاتهم و أممهم ،لا نعلم هل هم جاهلون لدورهم أم هم خائفون من أدوارهم ،لا يمكن لنا -المجتمعات العربية الإسلامية- التقدم و التطور في ظل تنصل مثقفينا من مسؤولياتهم و تخليهم عن دورهم في المجتمع .كيف لا و كل التقدم الحاصل في العالم الغربي قاده مثقفوهم من علماء فلاسفة كتاب و أدباء، أطباء صيادلة و محامون، كيف نتقدم والصحفي يخاف من الحقيقة و الأديب يخاف من تصوير الحياة و البأس على حقيقتهما ؟كيف نتقدم و المحامي يسمح في حق يدافع عنه و الفيلسوف يخشى نقد رجل الدين له ؟ كيف نتقدم و العالم يشوه الحقيقة و يظلل متقصيها ؟ كيف نتقدم و رجل الدين لا ينتقد الظلم و لا الفساد و كأن الإسلام ما هو إلا دين عبادات و ليس دين معاملات ؟ كيف نتقدم و الطبيب تخلى عن ضميره و رأفته و تحول للوحش لا يهمه غير الربح و المال أين أخلاقه و إنسانيته .
لا نهضة في غياب المثقفين و لا تقدم في تنصلهم من المسؤولية ،فمتى يتحملون مسؤولياتهم و يؤدون وظائفهم في مجتمعاتهم على أكمل وجه، للنهوض بها و السير بخطى ثابة نحو المجد و الازدهار ؟ التاريخ لا يرحم فكل مثقف تنصل من أدواره ستكرهه حتى مزبلة التاريخ .
- علي رحيلي-
-
Rehili Aliأنا طالب جامعي و اختصاصي الصيدلة مهتم كثيرا بالفكر الفلسفة السياسة و الأدب