مع التاريخ مرة أخرى - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مع التاريخ مرة أخرى

مع التاريخ مرة أخرى

  نشر في 25 نونبر 2021 .

مع التاريخ مرة أخرى

من قال أن الماضي لا يعود , وأن التاريخ لا يمكن أن يرجع للوراء أبدا , ربما لا يرجع للوراء بعقاربه وأيامه وسنواته , ولكنه ربما يعود بأحداثه التي مرت عليها عقود وظن الناس انها ماتت وأصبحت من الماضي الذي مضى بكل صخبه واثاره التي تعود الناس عليها ذات زمن , التاريخ ليس إلا وصف ونمط حياة يكتبه الإنسان كما تملي عليه الظروف والأحداث في وقتها , التاريخ عبارة عن مجموعة أوراق يخط عليها البشر ما يعيشونه ويبتدعونه وما تفرضه الأحداث عليهم في وقتها , فالشعوب هي التي تتفاعل وتصنع التاريخ , ولكن التاريخ لا يصنع الأحداث , فلو أراد مجموعة من البشر نبذ المدنية والحضارة في العصر الحالي واختاروا العيش في الكهوف أو الصحاري مجردين من كل أدوات العصر الحديثة من مستلزمات وأدوات وملبس ومسكن لما رفض التاريخ ذلك ولما أملى عليهم تطوره ونظرياته في التغيير .

هناك مجموعات بشرية حول العالم مازالت تعيش حياة بدائية ولم تخضع لعجلات التاريخ بالمرور عليهم , أو لم يستطع التاريخ جذبهم إلى صفحاته الجديدة , فقد اختاروا السكون في الماضي رغم تطور البشر حولهم .

ففي غابات الأمازون مازالت قبائل تعيش حياة العصر الحجري , وفي إندونيسيا مازالت قبيلة الكورواي تعيش في بيوت على أشجار غابات البابوا , وهناك قبائل أخرى في تايلند والهند وأستراليا وفي أماكن أخرى حول العالم .

ربما عاش أولئك البشر في معزل عن التاريخ بإرادتهم , ورفضوا أن يمر التاريخ بهم ليأخذ بهم نحو المستقبل , المهم أنهم متقبلون وضعهم ومتصالحون مع ذواتهم , ولا يهتمون بالتاريخ أو نظريات التطور , أو ما يحدث خارج حدود حياتهم , إن حياتهم البدائية ساعدتهم في الاكتفاء الذاتي وعدم الحاج للعالم الخارجي وحضارته وتطوره , بل ربما قاوموه بعنف تلبية لنداء الفطرة التي وجدوا أنفسهم عليها , وعندما أندمج بعضهم وفي مختلف بقاع الأرض مع الحضارة , وسمحوا للتاريخ أن يضمهم بين صفحاته ذاب البعض منهم في الحضارة التي جذبتهم , وتمسك البعض ببعضٍ من بقايا إرثه البدائي ولو على استحياء , فالأفارقة في أمريكا ذابوا وساهموا مساهمة قوية في تطور المجتمع الأمريكي , بل وبرعوا في بعض المظاهر الحضارية أكثر من البيض الذين جلبوهم من محيطهم البدائي كأسرى وعبيد , فأثروا الفن والرياضة والسياسة والسينما بما جعلهم يتجاوزون أصحاب الحضارة البيضاء أنفسهم , وكذلك الحال بالنسبة للهنود الحمر , أصحاب الإرث البدائي في أمريكا , لحقوا بتاريخ الحضارة وساهموا في وضع لبناتٍ جديدة في تاريخ أمريكا , ومن المؤكد أن الكثير من الجماعات البدائية في أندنوسيا والبرازيل والهند والصين وفيتنام وأفريقيا جذبهم التاريخ إلى صفحاته يوما , وكلما مر وقت على الحياة البشرية ربما ستختفي رويدا رويدا تلك المجموعات البشرية البدائية , فهي مهما قاومت جذب التاريخ لها لن تظل طويلا بعيدة عن صفحاته , وستتوق الأجيال الجديدة منهم لاكتشاف معالم الحضارة التي تحيط بهم أو بدأت تحاصرهم وتقترب منهم , ولن يلبث المعمرين أن يقضوا نحبهم وتبدأ الأجيال الجديدة بالتحرر من سيطرتهم وإجبارهم على الاستسلام لقوقعتهم تلك .

هناك صورة يكتبها التاريخ قد تبدوا نادرة الحدوث وغريبة على إرث العقل البشري , وهي صور من صورالعودة للوراء تاريخيا (وليس بالضرورة أن تكون عودة حضارية أو عودة نحو البدائية كما يعرفها التاريخ ) , وقد تكون عودة سلبية في نظر البعض , وإيجابية في نظر قادتها والقائمين عليها , وربما تستحق الطرح لأنها فُرضت من قبل البعض كرجوع بالتاريخ للخلف , وقد يرى البعض أنها عودة عقائدية وليست تاريخية , أي عودة بالمجتمع نحو ما يجب أن يكون عليه كما أراد الله له , ورغم أن الحقيقة في هذه الجزئية قابلة للكثير من النقاش والحوارات بين من يراها عودة إيجابية ومن يراها عودة سلبية , لكن من الواضح أن الأغلبية يرفضون هذه العودة التاريخية أو كما يسمونها المرحلة الظلامية .

في دستور 1964 قرر ملك أفغانستان وقتها محمد ظاهر شاه , والذي حكم طيلة 39سنة , أن ينقل البلاد إلى عصر الديمقراطية , وإجراء انتخابات برلمانية , وإقرار حقوق المرأة , والحقوق المدنية , وكان من الملفت للنظر وقتها ظهور زوجة الملك (حميراء) بدون حجاب أمام الناس , ولكن ابن عمه ورئيس وزرائه محمد داود انقلب عليه وهو في إيطاليا عام 1973 وأعلن تأسيس حكومة جمهورية , بدأ محمد داود باتخاذ سياسة تقدمية وحاول تحسين وضع المرأة , ولكن محاولات تقربه من الغرب أدت لقتله مع 18 من أفراد عائلته في القصر الرئاسي , ثم بدأ الحكم اليساري الشيوعي عام 1978 , ولكن المعارضة الشعبية بدأت تتنامى ضد الحكم الشيوعي , ثم بدأ التدخل السوفيتي في أفغانستان , لاعتقادهم أن قادة أفغانستان لا يملكون القدرة على وأد حركات التمرد ضد الشيوعية , فزرع السوفيت ببرك كارميل بعد مقتل الرئيس السابق أمين وعائلته , ورغم محاولات ببراك احترام الطقوس الدينية والتقرب من الدول الإسلامية , وإشراك القبائل في الحكم , إلا أن التمرد ضده ما زال مستمرا , ومع ظهور جورباتشوف غير سياسته في أفغانستان نظرا لكثرة القتلى من جنوده خلال محاولة السيطرة عليها , وتم التخلص من ببراك وحل محله الجنرال نجيب الله , الذي استقال من منصبه في1992 ثم سقطت كابل في يد المجاهدين .

ولكن ما علاقة كل هذا السرد التاريخي لأفغانستان بموضوعنا عن عودة التاريخ للوراء ؟

لعل التاريخ هنا ترنح قليلا في المسألة الأفغانية , ففترة حكم طالبان بين عامي 1996 و 2001 يُقال أن طالبان مارست أعمال وحشية ضد المرأة , وبعد الإطاحة بهم حققت المرأة بعض الإنجازات والتي لم يكن من الممكن تحقيقها في ظل حكمهم , فمنهن من وصلت لمناصب وزارية ورئيسات بلديات وقاضيات ومحاميات ودكاترة وضابطات شرطة ,

ولكن قبل ذلك بعقود وفي العهد الملكي عام 1933 , والذي يصور لنا التاريخ أن الحياة الاجتماعية والثقافية تشهد الكثير من الانفتاح وانتعاش بعض الحقوق المدنية وتغير كبير في وضع المرأة .

اليوم تعود طالبان للسيطرة على أفغانستان , وتحاول إرجاع التاريخ للوراء برغم توجه التاريخ الحضاري نحو الأمام دائما , ربما يستندون في ذلك لمعتقداتهم الدينية التي يؤمنون بها حتى لو خالفهم الكثير في ذلك , ولكن الصورة الحقيقية لم تكتمل , وما نعرفه ونستقبله من وسائل الإعلام لا يعتبر دستورا موضوع للشعب ليسير عليه , قد تبدو محاولات فردية من بعض المسؤولين الصغار لفرض قيمهم الخاصة على الشعب , ومازالت البلاد تفتقر لدستور شامل يوضح الكثير من المسائل , وهذا ما طالعتنا به وسائل الإعلام حديثا , فقرار حكومة طالبان بالعمل بدستور الملكية تحت حكم أخر ملوك البلاد محمد ظاهر شاه , وأشاروا لبعض بنوده مثل , وجود برلمان منتخب وسلطة قضائية مستقلة , ويضمن حقوق المواطنين , والحفاظ على الوحدة الترابية للبلاد , ولكن موضوع المرأة لم تتم الإشارة إليه بشكل واضح , ولكن طالبان أمام مفترق من الطرق , فإما إعطاء المرأة كامل حقوقها كما يريد الغرب وبعض الأفغان أنفسهم , وإما التمسك بأساليبهم بين عامي 1996 و2001.

لطالبان اليوم معضلة تاريخية , فإما يكسروا عجلة التاريخ ويعودوا به صاغرا 20 عاما للوراء , وإما يتحايلون بدستور الملك لمنح المرأة القليل مما تحلم به , ولكن التمسك بمعتقدهم بضرورة تطبيق الشرع في حق المرأة خاصة ومنعها من الخروج وممارسة الحياة العادية وإجبارها على النقاب , يعني العودة لمحاربة حماة التاريخ الذي لا يؤمن إلا بالمضي قدما , والذي يرفض بأية حال العودة للوراء , ويبقى السؤال المحير , هل يحق للتاريخ وحماته أن يجعلوا سيف المرأة هو الفيصل بين طالبان والقبول بهم ضمن حدود حضارتهم , وهل أصبح للعالم حكومة عالمية يحق لها التدخل في أمور الدول الداخلية باسم حقوق الإنسان ؟

ربما تخضع طالبان لمطالبات دولية مهمة وعلى رأسها عدم تبني أو احتضان أي جهة (إرهابية) , ومنع أي اعتداء على أراضي وحكومات الغير انطلاقا من داخل أراضيها , ولكن التدخل في معتقداتهم في فرض النقاب وخروج المرأة قد يشكل تحديا قويا لهم في اختبار سيطرتهم وفرض قوانينهم على أراضيهم .

وأخيرا ,, هل تعتبر قضية كيف تعيش المرأة داخل أفغانستان وفرض قوانين اجتماعية أو دينية عليها من قبل الأفغان أنفسهم مسالة مصيرية للغرب أو الشرق ؟ 


  • 1

   نشر في 25 نونبر 2021 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا