الإشارة والإجمال في لغة قصيدة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الإشارة والإجمال في لغة قصيدة

الشاعرة لورا عبد قراءة - صدام غازي محسن

  نشر في 05 شتنبر 2017 .

الإشارة والإجمال في لغة قصيدة

الشاعرة لورا عبد

قراءة - صدام غازي محسن

-----------------------------------------------------

الإشارة والإجمال كما عرفتا في في تعريفات مصطلحات النقد

الإجمال هو

إيراد الكلام على وجه يحتمل أموراً متعددة

والإشارة هي

اشتمال اللفظ القليل على المعاني الكثيرة ، باللمحة الدالة

وهذا ما اشتمل المقطع الأول من نص الشاعرة لورا عبد حيث تقول في المقطع الأول

بسحنة ساخرة

مازالت ترمقنا الحرب

تعال نصعد إلى الأعلى

نجلس على حافة القرميد

نسند ظهرينا إلى الأسطح المائلة

و ندلي أرجلنا إلى الفراغ

أعمدة الدخان ستدغدغ أقدامنا

و نضحك

واحد .. اثنان .. ثلاثة

أُحصي ألواح القرميد

ثلاث قرميدات !!

هذا ما تبقى

كي يسقط العلوُّ

أم تراه سقط !!

أتت الإشارة عن السحنة الساخرة ، لتربط بنظرات الحرب وهنا ربطت الشاعرة السحنة الساخرة وهي اللمحة الدالة التي ترسم أحيانا رغم قساوة المشهد ، الا إنها تربط بلغة تهكمية ، وهذا هو البعد السايكولوجي… ربطته الشاعرة بنظرات الحرب… والحرب لو تعمقنا بماهية ما خلف هذه الكلمة من أحداث ، يشتمل على التشرد أو الفقدان والعوز والموت وانحدار الأخلاق الى آخر ما تخلفه الحرب ، واكتفت الشاعرة الى الإيحاء بالإشارة عن الحرب ب ( مازالت ترمقنا الحرب ) ولم تسرد في شرح الضروف أو الأحداث التي خلفتها الحرب بل اكتفت بالإشارة عن لفظ قليل يشمل معان كثيرة… لتكمل في النص في تسلسل صوتي ربط بين حدثين في كلمة ( تعال ) فتنزاح عن الحرب بعيدا عن لغة الألم متناسية عمدا أو هاربة من هذه اللغة الألم لتقول

تعال نصعد إلى الأعلى

نجلس على حافة القرميد

نسند ظهرينا إلى الأسطح المائلة

و ندلي أرجلنا إلى الفراغ

الصعود نحو الأعلى… أعلى ماذا ؟ على الغيم أي الحلم أو على الجراح حيث تكون الجراح أسفل الأمنيات .

لغة الإجمال هنا عالية حيث التخيل الواسع في أفق مفتوح يهب خيارات عديدة للقارئ ، فتربط بعده صورة محددة واضحة عن العمر في حبكة قامت بها الشاعرة في تقليل وطأة الحدث الذي ظل مفتوحا لتكمل بعدها واصفة الجلوس على حافة القرميد ، أتى القرميد هنا عن السنين في عبارة سريالية تعتبر فتكمل في الإسترسال ( نسند ظهرينا إلى الأسطح المائلة ) أتى العمر مقابلا للسنين ، وتدلي الأرجل في الفراغ أتى في نظرة سايكولوجية حيث كبر العمر هو المقابل للفراغ أو الخواء ... وهذا أمر بديهي في تغير بيولوجية الجسد لتكمل الى نهاية المقطع الأول من القصيدة بلغة تهكمية كما شرحت في بداية النص في لفظة ( سحنة ساخرة )

أعمدة الدخان ستدغدغ أقدامنا

و نضحك

واحد .. اثنان .. ثلاثة

أُحصي ألواح القرميد

ثلاث قرميدات !!

هذا ما تبقى

كي يسقط العلوُّ

أم تراه سقط ؟!

أعمدة الدخان هي الأمنيات غير المتحققة ، والدغدغة هي ضحكة غير إرادية أو نتيجة فعل الدغدغة تنطلق الضحكات ، فَلِمَ هذا التهكم والسخرية التي تطلقها الشاعرة ? ممزوجة بالحزن فالأعداد هنا ( واحد - أثنان - تلاتة ... ) إحصاء القرميدات أي السنين الباقية من أجل سقوط العلو .

تنبأ لسنين لم تأتِ بعد لكنها ستحظر حتما ليسقط أو كما تتسائل ( أم تراه سقط !! )

وهنا استخدمت مصطلح (( الأزمة أي نقطة التحول وهي أيضا علاقة هوية جزئية تربط بين عبارتين / فقرتين / خطابيين ))* 1 في استفهامية مباشرة ( كي يسقط العلوُّ

أم تراه سقط ؟! ) العلو أتى هنا عن الأخلاق فالعلو والسقوط دوما يحملان صفة الأخلاق والمجتمع .

وفي المقطع الثاني نجد إن هنالك انتقالة صوتية وصورية ترتبط بلغة سريالية استخدمت فيها لغة الأشارة ، والإجمال فهي تقول

هل حدثتك يوماً عن علاقتي بالتراب ؟

منذ سنوات و انا التهم التراب

كي أسويَّ قبراً بحجم قلبي

كانت البيوض تفقس في جوفي

و سوس الألم يتكاثر في عظمي

و أزيز

الليلة الفائتة شققت ذراعي

دخلت عظمي

كان أجوفاً .. أجوفاً

سرتُ في سرداب معتم طويل

يتعرج و يلتوي تحت كون من جبال

لم يكن ثمة إلا فراغاً أبكماً

الإشارة هي التراب التراب… إشارة للخلق بماديته الإلهية كقوله تعالى: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ) ( الروم : 20 )

والتراب أيضا إشارة للموت والقبر ، وهنا أطلقت الشاعرة إشارة التراب مبطنة أياها بالإجمال ، فقد قالت في هذا المقطع ما بعد استفهامها وإدخال اللغة التشكيكية عن حديثها من عدمه معه ، عن علاقتها بالتراب فتكمل ( منذ سنوات و انا التهم التراب

كي أسويَّ قبراً بحجم قلبي ) إيراد الكلام على وجه يحتمل أموراً متعددة هل المعنى هو الهجر؟ ام انتظار أمرا يخص القلب ؟ أم هو الإسقاط على معنى الأخلاق الذي تناولته في مقطع ( هذا ما تبقى

كي يسقط العلوُّ

أم تراه سقط ) لتنتقل بعدها انتقالة جوابية تاركة السؤال للقارئ هو من يصيغ السؤال حيث تقول ( كانت البيوض تفقس في جوفي ) هنا كان الجواب الذي لن يفهم الا بطرح السؤال او تأويل السؤال حسب شعور أو تجربة القارئ ...

( و سوس الألم يتكاثر في عظمي

و أزيز

الليلة الفائتة شققت ذراعي

دخلت عظمي

كان أجوفاً .. أجوفاً )

لغة إجمالية لما بعد إشارة التراب والإجمال أتى هنا ليس بمعنى السوس الذي ينخر العظام ، بل الخطوات المؤجلة التي وهبت مصطلح السوس الذي نخر هذه الخطوات فهي تقول في سريالية مبتعدة فيها عن الواقع والمألوف ( الليلة الفائتة شققت ذراعي - دخلت عظمي - كان أجوفا اجوفا ) إجمال لا يعني بمعنى شق الذراع ولا الدخول نحو العظم وهو الذي لا يعقل ابدا ، لكن هو وصفا للخواء أو الحنين نحو أيام كانت الأذرع ممتلئة أو حاوية أو محتوية وكانت العظام ليست جوفاء بل ممتلئة بذاك الشخص الذي تحدثت عنه بلغتها الإسترسالية .

المقطع الأخير ...

حتى الخفاش الذي تعلق يوماً بقضبان صدري

ما كان هناك

تعال نصعد إلى الأعلى

و ألقِّمك أصابعي

ليس أنه خالص حب

فالحب وحده لا يشفع انتحار الأصابع

فوق الأسطح المائلة

فما الجدوى من عشرة أصابع

و ثلاث قرميدات

و لا سماء تسندها اليدان ؟

إشارة الخفاش هنا هو الليل الذي لم يكن موجودا بل تعلق بالصدر يوما ما بعد تسلسل تلك الأحداث ، فوهب الفزع الليلي والسهر والى آخر الأمور تنتقل بعده الشاعرة لورا انتقالة إنزياحية تأملية لبرهة فتعود لعالمها فهي تقول متأملة بلغة مبطنة رجائية لكن لا تخلو من اليأس الباطني ( تعال نصعد الى الاعلى ) لغة اجمالية لا يراد بها الصعود مثلا للسطح فقد تكون الجنوح نحو الحلم وخاصة أتى التأكيد على لغة الأصابع والتلقيم فالتلقيم أتى للأصابع والأصابع هي الملقمة التي تسد الجوع ، فما هو الجوع الذي تكون فيه الأصابع هي التي المسببة للإشباع ? تسترسل لتتحدث عن انتحار الأصابع فوق الأسطح المائلة والأسطح المائلة هي اتت هنا دلالة لغوية عن الطرق المائلة لتأكد إن لا فائدة حتى من الأصابع العشر والثلاث قرميدات وهي السنين الباقية او المدة الممنوحة سلفا. وأتى هنا العدد عشرة للأصابع رمزا للدعاء وأكد بربط السماء واليدين ...

أن الإشارة والإجمال التي تكلمت بها الشاعرة في النص ، هذه اللغة التي تمتاز بإيراد الكلام بوجه يتحمل أمورا متعددة كما في الإجمال ، وكما في اشتمال اللفظ القليل والذي يدل على المعاني الكثيرة باللمحة الدالة وهي الإشارة .

ممزوا بلغة الفواقعية وكما (( يزعم السرياليون أن ربعة أخماس الحقيقة البصرية في اللاشعور ))*2

نجد أن النص يحمل سيكلوجية باطنية أعتمدت فيه على الإشارة والإجمال لتخفي بعض الامور ، وليكون القارئ هو من يعيش النص بأحداثة لا أن يعتاش عليه ، مازجة وصف تغير الأخلاق في عصر الحرب متأملة السمو والهروب من هذه الرقعة التي تعيش بها أو الواقع الجبري الذي فرض . نص رسم ملامح حياتية وشعورا لأحداث اعتاشتها الشاعرة فبطنتها باستفهامات كثيرة .

الهامش

---------------------+-+

1

الأزمة * - معجم المصطلحات الأدبية - د سعيد علوش أستاذ الأدب الحديث والمقارن كلية الآداب الرباط ترجمة وتقديم دار الكتاب اللبناني بيروت - سوشبريس الدار البيضاء

2

مدخل الى النقد والتذوق الفني , محمود أبو العباس عزام ط2 - 1422 - الرياض دار المفردات للنشر



   نشر في 05 شتنبر 2017 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا