"إن لم يكن هناك تعقيدات وأمور تحدث في حياتك لازال عقلك لا يستوعبها، فأنت كالذي يجدف بلا طائل عن وجود معنى لحياته"
الحياة لا تبدأ عند سن البلوغ أو عند دخول معترك الدراسة أو الزواج، إنما منذ اللحظة التي ستتساءل فيها عن ماهية الوجود وما المطلوب منك فعله تحديدا على هذه الأرض، هل أنت رسول أم مجرد إنسان عادي؟! وتتكاثر الأسئلة فتجعل من ليلك جحيم مصغر، ولكنك لن تعرف أكثر من أن اليوم يمر كما هو، كل شيء يمر من حولك بشكل ثابت عدا عقلك .. ثم يحدث شيء مختلف .. شيء أكبر وأكثر تعقيداً من كل تلك الأسئلة الوجودية التي تعشش بداخلك، ولن أذكر الموت فالموت هو كالحياة يحدث دون دراية منا يأتي ويرحل دون أن نلحظ أثره أو سببا له، ورغم حزن الأحياء وتشتتهم عند مجيئه، إلا أنه سيأتي يوم ويذهب كل ذلك كما هو مقدر له أن يحدث.. وهو النسيان لتدور عجلة الحياة الرثة على حالها.
فقد الأعزاء وهم على قيد الحياة أشد من الفقد الأبدي، حدوث أمر جلل وغامض يداهم حياتك العادية والمملة فجأة يعني أنك تعايش إحدى كوابيسك بكل تفاصيلها، ظهور مرض نادر ليس له علاج سوى العجز والسخرية - يُصيب عضو من جسدك المضنى أصلا - الذي ظللت تعاني وتتعالج من ضعفه لسنوات ولازلت هو كالموت بالطعن.. تتلقى الطعنات مرارا وتكرارا لكنك لا تموت، ولا شيء سيطرأ عدا توسع جحيمك الأرضي حتى يبدو لك أن كل خطوة سوف تتخذها لسده، ستشي بك وتزداد رقعة سوادك الضعف.
وبعد كل هذا العبث مطلوب منك أن تغفل.. أن تغلق حواسك بل تخرسها إن استطعت، أن تعيش آلامك في صمت وكبرياء، أن تتظاهر من وقت لآخر بالفرح كي لا ينفر منك الأصحاب والأهل، أن تضحك عاليا ولتكن ضحكة رقيعة كي يُقال أنك لا تعبأ لشيء أو لأحد سوى لنفسك، ولو تعلم تأثير ذلك الاعتقاد على المحيطين بك لكنت ظللت طوال حياتك تتعلم امتهانه! لكن ها هو يأتي إليك دون تخطيط ودون أية جهود تُذكر.
أقول أن تقبل بتلك الهبة خذها على أنها ضريبة مستحقة لما عانيته، واستمر في التجديف حتى لو كنت تظن أنك تجدف في الهواء، استمر ودع الحياة تفعل ما تشاء، فلا حيلة لك بحياة تتعاش على التخاذل والاضطرابات.. هذه هي قاعدتها وأنت وافقت منذ اللحظة التي حططت فيها بصمتك بكل جراءة، فاجعل لبصمتك الصغيرة أثر حتى لو لم يره أحد سواك.. استنشق الحياة حتى آخر نفس.. غص في أغوارها .. استمتع بالتيه فيها.. اجعلها تشعر بأنك لازلت مخدوعا، ثم اضرب بعصاك الجمود الذي لفك لسنوات، فيتحرر نصفك المظلم من كبوته ولا تتمادى فتحاول طرده، هو كالظل الغير مرغوب فيه، تعلم أن تعش معه في سلام.. ولتكن تلك أول خطوة جدية في الخروج من القوقعة والبحث عن فضاءٍ آخر أكثر وضوحاً وأقل وطأة.
ولاء عطا الله
-
Walaa Atallahكاتبة ومدونة مصرية.
التعليقات
الاصرار مهم جدا علشان نبقى عايشين فيها
أحسنتِ