كتب : احمد يونس

بعد خمسة دقائق سكوت في درس الكيمياء الخصوصي، قررت ان اطرح سؤالاً انشغلت به لايام!.. قلت في قرارة نفسي، الوقت مناسب جداً، الجميع صامت والجو هادئ.. لا شيء يُخفيني فالمدرس، اباح لي ان أسأل لاعرف وأفهم!.. والامر لا يحتاج ايضاً لشجاعه كبيرة، فلا يوجد سوى الاستاذ وصديقي " ابو نضارات " وانا !.

جاءت اللحظة..

انا : أستاذ، أستاذ !!

الاستاذ : نعم يا احمد !!

انا : هي الارض متعلقة ازاي في الفضاء ؟

الاستاذ : " بعد سكوته لثوان معدودة " ابتسم ابتسامة سخرية!.. ثم سألني، ازاي يعني مش فاهم سؤالك ؟

انا ( باستغراب ) : بقول لحضرتك ازاي الارض متعلقة في الفضاء ؟
الاستاذ ( بسخرية ) : كدة يابني!.. ثم سألني : انت ايه اللي بيخليك تفكر في حاجات زي كده !؟

انا : خيالي وصلني لكده..

صديقي " ابو نضارات " : صامت، ولكنه يبتسم ابتسامه هادئه صفراء من تحت نظراته!.

الاستاذ : سيب خيالك.. وركز معايا!

انا : هو مش حضرتك قلت إسأل علشان تفهم !؟

الاستاذ : ايوة.. بس انا مش شايف ان ده سؤال يعني، المهم يلا نبدأ الدرس.

هذا نموذج لمدرس متناقض يمنح الطلاب حق الاسئله، ويسحب بسخريته هذه المنحة!.. فيُربى عقلية الجيل على السمع والطاعه الصماء لا على النقد الحيوي، ويقطع حبل الاسئله الذي بدوره يحرك طاقات الابداع ويُلهم الطالب مزيداً من الفهم ومزيداً من الافكار!.. انه سلوك غير مسئول، ولابد من محاكمه اخلاقيه تحكم في امره!.

المهم..

نعود الى المشهد مرة آخرى.. اجابة المدرس لي كانت بسيطة جداً لو اراد الا يكسر بخاطري والا يمنعني من الاسئله لو قالي لي : " يا احمد ده سؤال فيزيائي، وانا مدرس كيمياء واجهل بالشأن الفيزيائي، لو سألت مُدرس فيزياء ممكن يجاوبك عليه ".

هذه الاجابه مرضيه جداً ومريحه، لم تُحرجني ولم تمنعني من السؤال ولم تُسقط هبية هذا المدرس في نظري!، ولم يتغير تصوري بانه مدرس كفء ومقامه العلمي عالي، لكنه ابى الا السخرية والنيل من طلابه ليسعد بجهله وينعم الآخرين بابتسامات صفراء او بقهقه سخرية مدمرة للنفس، ومقللة من عزم انسان يريد ان يفهم!.

كان بامكانه ان يجاوبني اذا اتعب نفسه وقرأ قليلاً وعلم ان الاغريق اعتقدوا ان الاله اطلس يحمل الارض على عنقه وعلى كتفيه، كان بامكانه اخباري ان الهندوس كانوا يعتقدوا بان الارض محموله على ظهر فيل واقف على قوقعة سلحفاة كبيرة!.. وكان علمني انه يوجد قانون يحكم الاجرام السماويه في النظام الكوني يجعلها معلقه لا تسقط وهو قانون " الجاذبية ".

انه لا يريد ان يتعب، لكنه يريد الضحك والسخرية.. وربما انا قد اسأت فهمه عندما منحني حق السؤال ، فقد كان يريدني ان اسال فيما احفظه من منهج لا فيما يدور في خيالي الواسع!.. على كل حال انا ساهمت في ادخال السرور على قلبه عندما سالته سؤالي الصعب " ازاي الارض متعلقه !؟ ".