البلاغة في اللغة العربية

-وأهميتها بالنسبة للأديب والناقد-

..هيام فؤاد ضمرة..

ما اللغة العربية إلا بحرا شاسعاً زاخراً بالعلوم والمعارف، فالغة العربية تجتاح اليوم عالم العرب والمسلمين لحوالي ثلث سكان المعمورة، لكون القرآن الكريم حفظها لسانا عربيا بليغا، فهي اللغة الوحيدة الجائزة بالعبادة للعرب ولغير العربي، لها علومها وفروعها سواء لغويا أو نحوياً.

والبلاغة هي علم من علوم اللغة العربية تكشف أنماط جمالياتها، والفعل منها بلغ، ومعناها بلغ الشيء أي انتهى إليه، وحين يوصف خطيب بالبلاغة فهذا يعني أنه طلق اللسان فصيحه، وبليغ التعبير، وحسن المنطق والبيان قولا وكتابة، يستطيع ايصال المعني بأقل الكلمات وبمخارج صوتية سليمة ومعاني تعبيرية موجزة ودالة، وأمر بليغ أي عظيم، فيما البلاغة في اللغة العربية هي علم المعاني والتراكيب من خلال استخدام الكلمة المناسبة في الموقع السليم الدال على المعنى بأفضل صورة وبأقل الكلمات... ويعتبر كتاب (البيان والتبيين) للجاحظ ثاني أهم كتبه، كما يعتبر من أمهات الكتب، تطرق فيه للبلاغة والخطابة وساعد هذا الكتاب في إرساء دعائم الأسس العلمية الأولى للبلاغة في اللغة العربية، وفلسفة اللغة، وتناسب اللفظ والمعنى معاً .

والأساليب البلاغية في اللغة العربية تقسم إلى ثلاثة منازل.. (علم البيان- علم البديع- علم المعاني).. وكل منها تتخصص بجانب معين في حسن الصياغة اللغوية وجمالها وتناسقها، والوقوف على المعنى المراد لها الوصول إليه، فمن أتته البلاغة عن علم وافر وقدر شاطر بلغها منتصر وناصر، ومن أتته البلاغة عن كلالة ظفر بها عن ضلالة، فالبلاغة ليست بخفق اللسان ولا بكثرة الهذيان إنما بقلة مبنى النص وسعة المعنى ووضوحه، فليس مطلوباً بالأدب الإطناب والأكثار، وإنما الإيجاز الواضح المفهوم، والقدرة على التأثير على المتلقي، لكون مراد البلاغة اللغوية هو الوصول إلى ذهن المتلقى بسرعة وبأقل تعبير ممكن وأعظم وتأثير.

علم البيان.. ويبحث في إيصال المعنى الواحد بأكثر من أسلوب، ومطابقة الكلام لمقتضى حال المخاطب وأحوال المتلقين، وتعريفه الدارج في اللغة أنه أسلوب لتوضيح دلالة الكلمات من خلال فهم معانيها الدالة وتناسقها في سياق النص، وسياق المعنى بإيجاز وبيان،

وأقسام علم البيان هي (التشبيه- الإستعارة- الكناية- المجاز)

التشبيه.. هو إنشاء تشابة بين أمرين لوجود صفات مشتركة بينهما، وللتشبيه أربعة أركان (المشبه- المشبه به- أداة التشبيه- وجه التشبيه) كمثال.. (إنها كالقمر بجمالها) فالمشبه هي الفتاة، والمشبه به هو القمر، وأداة التشبيه هي حرف الكاف، ووجه التشبيه هو الجمال

وهناك من أنواع التشبيه أربعة (تشبيه تام- وتشبيه مؤكد- وتشبية مُجمل- وتشبيه بليغ)

التشبيه تام.. هي الجملة التي تحتوي على جميع أركان التشبيه التي ذكرناها (الفتاة كالقمر بجمالها)

التشبيه المؤكد.. هي الجملة التي حذفت منها أداة التشبيه ( الفتاة قمر بجمالها)

التشبيه المُجمل.. هي الجملة التي حدفت منها وجه التشبيه (الفتاة كالقمر)

التشبيه البليغ.. هي الجملة التي حذفت منها أداة التشبيه ووجه التشبيه (الفتاة قمر)

الإستعارة.. هي نوع من المجاز اللغوي في علم البلاغة في تشبيه بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي.. وهي تشبيه حذف أحد طرفيه الرئيسين المشبه والمشبه به، فتحل الاستعارة المجازية مكانهما

والإستعارة نوعان..

الاستعارة المكنية وهي الجملة التي حذف منها المشبه به مع ذكر المشبه (طار الخبر بالانحاء) المشبه به الطائر

الاستعارة التحقيقية.. الجملة التي حذف منها المشبه مع ذكر المشبه به ( قاتل الأسد بشجاعة بالمعركة) والمشبة الانسان

وهناك استعارة حسنة وأخرى قبيحة غير محققة للهدف

الكناية.. حين اللفظ له معنى ظاهر وإنما يراد به معنى آخر، أي لفظ يراد به معنى آخر مخفي.. وهي ثلاثة أنواع (كناية عن صفة- كناية عن موصوف- كناية عن نسبة)

كناية عن صفة.. هي الكناية عن معنى آخر لصفة ما.. مثال.. (أطلق الولد قدميه للريح) كناية عن السرعة بالجري

كناية عن موصوف.. هي ما يستخدم فيها موصوف عرف بصفاته وذاته (أمة الضاد)

كناية عن نسبة.. هي صفة شيء ينسب إلى شيء متصل بالموصوف (السعادة في بيت هادئ)

المجاز.. استخدام اللفظ في غير ما ضع له لعلاقته مع قرينة تمنع ايصال المعنى الحقيقي له، أي لفظ يجيء لغير ما جاء له بالأصل، أي لغير معناه الأصلي.. مثل (أمطرت السماء رزقا) فالسماء تمطر ماءا

علم البديع

إنه من فنون القول في الأدب يأتي بالجديد من القول والغريب عن المألوف قيه إبداع محسن للأدب يجعله متناسقا وبديعا ومدهشا، وهو من الفعل بدع أي أبدع بالشيء وابتدع فيه.. وهو علم يبحث في تحسين الكلام الملفوظ وفي معناه.. ويقسم إلي قسمين (الجناس التام- والجناس الناقص)

*الجناس التام هو اتفاق الألفاظ معا، أي استخدام نفس الكلمة لكن بمعنى مختلف، مثال لقوله تعالى (ويومَ تقومُ الساعةُ يُقسِمُ المَجرِمونَ ما لبثوا غير ساعةٍ كذلك كانوا يؤفكون)

فالساعة الأولى تعني يوم الحشر والساعة الثانية تعني الزمن

الجناس الناقص.. وجود نقص في توافق الألفاظ معاً .. مثال لقوله تعالى (فأما اليتيمً فلا تقهر وأما السائلَ فلا تنهر) فاللفظين تقهر وتنهر تتشابهان باللفط ولا تتطابقان بالمعنى

*الطباق.. تركيب جملة تجمع بين متضادين في المعنى (يتسابق الليل والنهار)

*المقابلة .. تركيب جملة تجمع بين أكثرمن لفظ ويقابله أكثر من لفظ (أدرس اليوم لأنجح غداً)

أشهر النحاة وأهل البلاغة

وفي السماءِ نجومٌ لا عِدادَ لها === وليس يُكسَفُ إلا الشمسُ والقمرُ

أولئك هم السلف الصالح الصالحون في تقواهم والأثرياء في علومهم وخلوص نفوسهم وصفاء ذهونهم وذكاء عقولهم الفذة وحمتهم وأراءهم السديدة المفيدة..

"يؤتي الحِكمةَ منْ يشاءُ ومًنْ أوتي الحِكمةَ فقد أوتي خيراً كثيراً" البقرة 269

المعروف أن علي بن أبي طالب ابن عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومفتديه، هو سيد البلغاء وكبير الحكماء صاحب عقل راجح وفطنة بالغة وسريعة

ومن علماء البلاغة ممن وضعوا للغة العربية أسسها ومقاماتها وفنونها وعلومها

أبى الأسود الدؤلي .. يعد أشهر علماء اللغة العربية وأعلم أهل زمانه، وأكملهم عقلا ورأيا ورجاحة من وضع النقاط على الحروف وأول من شكل القرآن الكريم، وأول من وضع أصول النحو إذ قامت على يده، لذا لقب بملك النحو

الأصمعي.. ولقب بلسان العرب وحجة الأدب وشيطان الشعر.. من أشهر علماء اللغة العربية والشعر، حافظاً جيدا ودارسا حصيفا وباحثا متعمقاً، وصاحب حجة قوية، ومكبا على علوم اللغة، وأصمعياته من الكتب تزيد عن ستين مؤلفاً، وصفه الأخفش بقوله: ما رأينا أحدا أعلم بالشعر من الأصمعي"

الخليل بن أحمد الفراهيدي.. من أشهر علماء اللغة العربية له الفضل في تأسيس علم العروض والقافية وفي النحو والبلاغة، من أشهر مؤلفاته " معجم العين" أول معجم وضع في اللغة العربية، وكتاب "العروض"، وكتاب "الايقاع"، وكتاب "معاني الحروف"

ابن مالك الأندلسي .. من أشهر علماء اللغة العربية، إماماً في علوم النحو والصرف واللغة، من أعلم الناس بالشعر، وبرواية الحديث، هاجر من الأندلس إلى الشام، ألف ألفية ابن مالك الشهيرة ولا تفوت أي دارس في اللغة العربية العروج على ألفية ابن مالك، ومن أشهر مؤلفاته "الكافية الشاقية" و "شرح التسهيل- تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد"

الزمخشري.. من خوارزم.. من كبار أئمة تفسير الحديث ومن أشهر علماء اللغة العربية في النحو والبلاغة، وله مؤلفات شهيرة وقديرة مثل كتاب "الكشاف" شارحا فيه بلاغة القرآن الكريم وتراكيبه اللغوية، وكتاب " المفصل" في علم النحو وكتب أخرى.

سيبويه.. هو عمرو بن عثمان الحارثي (حارثيا بالولاء) فارسي الأصل، من أشهر علماء اللغة العربية حتى أنه لقب بعمدة النحاة وبحر اللغة، قام بتبسيط علم النحو وقربه إلى الأفهام، وكتابه الشهير المسمى " الكتاب" جمع به أقوال النحاة الذين سبقوه وأضاف إليه قواعد مستخلصة من علومه الشخصية من أثر ما جمعه من فصحاء العرب في زمانه، توفى في ريعان شبابه في الثلاثينات من عمره إلى أنه ترك إرثاً لغويا عظيما بقيمته.. ولد وتوفى في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري.

وهناك قائمة طويلة من أسماء النحاة والبلغاء كإبن فارس القزويني، وابن جني، والجرجاني، وابن خروف النحوي الأندلسي، وأبي سليمان السعدي، وابن قتيبة، وغيرهم الكثير.. لكننا نكتفي بهذا القدر من المعرفة.