قال تعالى : (اقرأ باسم ربك الذي خلق ) وقال: (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) ، بين اقرأ الأولى واقرأ الثانية مجلدات عمرٍ طويل زاخر بما يستحق القراءة ، فكل منا على هذه البسيطة يعيش حاملاً على أكتاف حياته قصته التي تستفتحها صرخته الأولى وتضع نقطة ختامها شهقته الأخيرة .

فبين تجربة وخبرة ، وفكرة وابتكار، وحكاية وخيال ، وبين سلم وحرب ، و سعادة ومأساة ، و بأسٍ ويأس ، وغفلة وحذر ، هكذا هي الحياة وهكذا هي سطورها التي يبوء بها هامش ما حييناه منها .

نختلف فقط في أن منا من يسطرها ويودعها بطون المجلدات ومنا من يرسلها هملاً لتتلاشى مع غروب أفقه أو أفولِ ذكره في مفقودات ذاكرة انتهت صلاحيتها مع تقادم الزمن بها.

إذن ماذا في تلك الكتب لنقرأه ولماذا نجد دائما الدعوة والحث على القراءة بأكثر من وسيلة ومن أجلها تقام المؤتمرات والمهرجانات وتعد المسابقات والفعاليات المختلفة ؟

لأن القراءة هي الشمس التي تسطع لتجلي عنا طَسم الجهل وتذيب غبش الفكر وهي الباب إلى كل علم والمدخل إلى كل معرفة والواحة الغناء التي تثمر بكل فائدة ومتعة . فلو أننا نقيس من بين كل العلوم والمعارف والخبرات التي اكتسبناها في حياتنا نسبة ما اكتسبناه من القراءة والاطلاع لوجدنا أننا الآن على هذا القدر من العلم والمعرفة بفضل ما علق بنا بعد أن ولجنا أبواب الكتب وأوغلنا في بطونها في صفوف المدارس وقاعات الجامعات .

إذن نحن نقرأ لـتُضاء عقولنا وتستنير أذهاننا وتستبصر قلوبنا نقرأ لنتفكر لنفهم لنحلل لنجرب لنستنتج لنطبق لنسعد لنضحك لنتعظ .

نقرأ لنعرف الله وعظمته وعظيم خلقه وباهر إعجازه وجليل إنعامه . نقرأ لنعرف من نحن ولماذا خلقنا وإلى أين نمضي ، نقرأ لنتفكر في مبدأ دنيانا وأبد أخرانا .

نقرأ لنعرف أُمَمنا ونبيينا ورسلنا ، نقرأ لنعرف رسالتنا وواجباتنا وما لنا وما علينا .

نقرأ لندرك فسيولوجيتنا فطرتنا حاجاتنا ورغباتنا .نقرأ لنهذب أنفسنا و نشذب سلوكياتنا ، نبني قيمنا ونقوّم أخلاقنا .

نقرأ لأن هناك عوالم أخرى لم نسكنها وحياة لم نعشها وأشخاصاً لم نقابلهم ، نقرأ لنعيش الزمن الغابر والحاضر ونتجاوز المستقبل، نقرأ لنروض أحاسيسنا نصقل تجاربنا ونقيس ظروفنا على مقاسات سالفة و نخيط ثقوبنا برقع موثوقة ، لنداوي عللنا بعقارات مجربة ونضمد جراحنا ببلاسم ناجعة ، نقرأ لنتجول في عقول العلماء والمفكرين ، لنجول في أكوانٍ أخرى ما عرفناها لتلمع في أذهاننا فكرة لنقطف ببصيرتنا عِبرة و لنتذوق رضاب الكلمات وشهد المشاعر من حافة سطر أو تنهيدة شطر ..

فهل علمتم لماذا نقرأ ؟