عندما تهب عليك النسائم وتتلاعب بوجنتيك, و عندما تغزو الملوحة جوفك وتتذوق حرارة المشي على الرمال في الزوال, و عندما تتلمس ما يكتنزه البحر من حلي عذراء طبيعية و تحف الاهية وتبوح لك الافكار بحجم الجمال والبهاء, وقتها و كالعادة تخونك الكلمات والتعابير لرسم صورة واقعية كفيلة بنقل سرالبهاء بابعاده المادية الحية.

فالبحر يدخر الذكريات و يجعلك تبتسم عندما يقص عليك أحداث الايام الخوالي,  ويتسع لكم لا حد له من الضحكات و الابتسامات و حتى الصرخات و الآهات في آن معا و يبوئك مكانة معاصرة معلنا لك ان العمر يجري والسنوات تتسابق والاحداث تتوالى,وفي نفس اللحظة مذكرا كل الخلائق على مسمع الزمان و المكان ان المصير المقدر لا مفر منه و ما أحد بقادر على تقديمه او تاخيره لحظه واحدة. بحركته وسكونه يبدو لك وكانه يعكس وجه السماء ليصرح للتاريخ معترفا حتى وان لم اكن غير متناهي الاطراف فجوفي واسع جدا ليحمل همومكم وافراحكم وذكرياتكم في أعمق نقطة لذاكرة البشرية.

ففي زمن الصفاء تتلذذ بنسيمه العليل و انت تواجه امواجه اللطيفة, أو في أحيان أخرى تلك المعبرة عن تقلب المزاج فيعبر بك طيف التاريخ الذي يجعل صور الارشيف تطفو للسطح, تلك التي ترسم عنفوان الشباب وصفاء السريرة وتؤسس لغد مجرد من اي احزان والام وعقبات . والمرء يستجمع قواه وسط ضجيج الاحداث والتحولات والخرائط الجديدة يدرك اهمية صديق صدوق تبوح له بما في داخلك دون خشية توزيعه للسبق, ولا نشره في الصفحات الاولى, لحظة صفاء مع الروح تكفي لتمكينك من سماع صوت السيد الحاكم الصالح ينادي من الاعماق داعيا للتامل في عظمة الخالق و قراءة رسائل المولى لأولي الألباب, ان قيمة كل تراه من جمال لا يعادل عند ملك السماوات و الارض جناح بعوضة, فتحاول وقتها رسم خريطة طريق تمزج فيها بين جمال المخلوق وارادة الخالق محاولا سلك دروب من مات على طريق الجنان .

امام المشهد تستشعر عظمة من يعلم عدد ذرات الملح, وحبات الرمل وحجم زبد البحر, غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول, فكل شيء بحساب دقيق تناثر حبات الرمل وتوالي الامواج وهبوب النسيم وتوقيت الغروب والشروق وصولا لادق تفاصيل الحياة البحرية, باسماكها وطحالبها وصولا لدقيق مخلوقاتها. البحر و بالرغم من عظمة ابعاده وضخامة مكنوناته فصورة امواجه المتكسرة وعبير نسيمه ابداع الاهي له لغة اذا اصغيت له بقلب خاضع لعظمة المبدع, وستقرا رسالته اليك الا عظمة ولا قدرة لاي مخلوق ولا سلطة ولا حكم لاي حاكم ما لم يستمد شرعيته من احكام رب الافاق والانهار و سعى جاهدا لخدمة الرعية. فالايام تمضي وتنقشع و تضمحل كالضباب و تخلد الاثار والمواقف, فاذا كانت سعة صدر البحر كافية لجبر الخواطر وتصحيح الرؤى وكتم الاسرار, فان صدر العبد الصالح الطامع لرضا رب البحار والمحيطات في وضع المجبر على تحويل النسمات لتصرفات طيبة واخلاق راقية, وتجسيد لذة الامواج في انجازات ورسم عبق الشروق والغروب يوم تولي المكانة في قمة هرم الاخلاق و العبادات و الإنجازات, وآية تمشي في الشوارع والطرقات والادارات وشمسا تنير زوايا الاحزان والآلام وترسم البسمة والرضا تماما كما رستمها امواج..... كاتم الاسرار.