مفارقات سلوكية
نشر في 26 شتنبر 2022 وآخر تعديل بتاريخ 03 أكتوبر 2022 .
مفارقات سلوكية
خارج اسوار
المعابد والمساجد
✍️محمد خلوقي
👈لماذا تجد الكنائس في بلاد الغرب شبه خاوية من المعتقدين ؟؟، وتجدُ خارجها أزقةً وشوارع نظيفةً ، ومحلات جميلةً وأنيقة ً، ووجوهامبتسمةً ، وقوانين محترمةً، ومعاملات إنسانية راقية ومتحضرةً ، وتنمية إنسانية متواصلة، وأنظمة منتخبةً وديمقراطية ؟؟!!
👈وتجد بالمقابل في بلاد الشرق العربي، مساجدَ شبه عامرة بالمرتادين ، لكن خارجها، تجدُ ازقةً وشوارعَ متسخةً ، وبنيات عشوائيةً ، ووجوها كالحةً، كئيبةً ، وعنفا لفظيا وسلوكيا مُشينا ، وأنظمة وأجهزةً مُتسلطة ً وظالمةً؟؟!!
هل هذا يعني ان الغرب قد نجح في بناء الانسان في مكان محدد ، ليس بالضرورة ان يكون بين اسوار الكنائس والمعابد ؟؟
ونحن في الشرق ، هل فرَّطنا في ذاك المكان الحقيقي و القادر على تنشئة وتربية هذا الانسان ،وفررنا واحْتَمينا ، دونه ، فقط باسوار الاضرحة و المساجد ؟؟
اسئلة محيرة ، تكشف عن مفارقات سلوكية عجيبة وغريبة .
ففي الوجدان العقدي للشرقي المؤمن ، ان بناء مسجد او المساهمة في ذلك ، هو ضمان له للحصول على جَزاءٍ كبير، ( يبني له الله قصرا في الجنة). وكأنه بذلك يبحث عن خلاص شخصي وفردي .
إلا ان هذا الجزاء لا يُنال بهذه البساطة ، وهذه الرؤية الفردانية المحدودة، بل يتطلب مساهمة حقيقية ومتواصلة في اصلاح النفس التي ترتاد هذا المكان ، ذلك ان الامم كما الاشخاص لا تَخلُد او تُخلَّد بالبنايات والعمارات وتشييد الاضرحة والمعابد والمساجد والتسابق يوميا الى فضاءاتها ، بل بمن دخلها وسكنها وحَسُنت تربيته داخلها وخارجها ، وأنْتج َبين جدرانها نقدا هادفا، وفكرا وعملا مميزا ، وسلوكا نافعا سيظل مذكورا .
اما إذا دخل المرء المعابد والمساجد وهو لا يعرف ابعادها واهدافها وغاياتها ، فيكون مثل الحمار الذي يحمل أسفارا ، لا يعرف ولا يفهم ولا يُقدِّر قيمةَ ما يحمل .
وما اكثر هذه الاصناف ، التي ترسخت عندها عادات بعيدة عن جوهر العبادات ، فتجد الفرد منهم يتسابق مهرولا الى الصفوف الاولى، لكنه في نصرة الحق او مساعدة محتاج ، تجده يلزم صفوف الاشباح ، اوتجده احيانا يبكي لسماع آية من القران الكريم ، ولا يبكي من قسوته على أمه ، او قهره زوجتَه، اوتعسفه على أبنائه ، او ظلمه إخوانَه ، واذا بدأ الخطيب خطبته يلزم الصمت والاستماع احتراما وخشوعا، بل ينهر كل من تحدث في حضرة الامام ، وحين يخرج من اسوار المعبد ، لا يلُجِم لسانه عن النهش في اعراض الناس ، ولا يحترم رأيا مخالفا لرأيه ..
مفارقات عجيبة ، وكأن الله لا يراقبه الا بين اسوار المعبد اما خارجها فله كل الرخص …
هذه المفارقات السلوكية العجيبة الغريبة، تظهر ان وراءها فشلا ذريعا في تربية هذا الانسان منذ صغره ، ولعمري ان من يقوم بهذه المسؤولية التربوية الجسيمة هي الجهات التالية:
١-الوالدان السويان سلوكا وفكرا ،
٢-المدرسة ُالمتوازنةُ البرامج والاهداف والغايات .
٣-الاعلام الهادف واليقظ والمسؤول .
وحتى وان كان بعض النقص في جهة من هذه الجهات الثلاث ، فان بعضها يكمل نقص الاخر ، لكن الخطير هو اتصافها جملة وتفصيلا بنقص بنيوي فاضح ، وبعبثية معيبة ، فان مصير هذا الانسان هو : الفوضى ، والتناقض بين الفكر والسلوك ، بين خلاص الذات وطوفان المجتمع ( وبعدي الطوفان ) .
لهذا نجد الغرب ، في هذا المجال التربوي ، اقل نقصا من الشرق ، واكثر نضجا وتطورا من الشرق المتبجح .. لان الغرب - رغم هفواته وعثراته - فهو يراقب بمسؤوليةٍ تربيةَ الطفل داخل اسرته ، وداخل مدرسته ، ويقدم له الاعلام الذي يتماشى مع فلسفة المجتمع . بل يَسن القوانين الصارمة التي تُساهم في حماية وتكوين انسانٍ ُحرٍّ، ومسؤول ٍ، ونافعٍ لنفسه ومجتمعه .
اما نحن في بلاد الشرق ، فقد تركنا اطفالنا يكبرون بعقد مدمرة وقاتلة مثل : الخوف ، والخرافة، والعنف ، والتطرف ،والفقر ، والدونية ..، ففكرنا فقط في انجابهم سواء برغبة او دونها ، ولم نفكر في طرق تربيتهم ، ولا في حسن إعدادهم ، فضيعنا هذه الامانة ،
ويعتقد البعض -بحسن نية- ان بناء اماكن ودور للعبادة فيه مساهمة نوعية أكيدة لحل مثل هذه المشكلات الترييوية ، بناء على ان النفس الانسانية تحتاج تغذية روحية عقدية .. لكن الواقع لا يؤكد جدوى وصحة هذا الاعتقاد ،
النتيجة الصادمة ، انه لا الكنائس استقطبت هذه الفئة وحولتها الى الصلاح المنشود ، ولا المساجد حققت هذه الغاية الطوباوية ، لان اصل المشكل ليس في المكان، ولا في الزمان ، لكنه ، في بناء واصلاح وتكوين النواة الاساس ( الاسرة ) - ( الزوج والزوجة ) .لانها إنْ صلُحت الاسرة صلحت الامكنة والازمنة ، وإن فسدت عمت النزقية ، والذاتية المدمرة، والفوضى العارمة.
لهذا اذا دخل المرء مكان عبادة وهو مثقل بذنوبه واحقاده وظلمه وتجاوزاته، وخرج منه وهو اكثر اصرارا على تجاوز أوضاعه ، بالبدء مثلا بارسال ابتسامة حب نقية في وجه من صلوا بجانبه ، أو إماطة الاذى والاوساخ في طريق عودته الى بيته ، أوبعناق زوجته واظهار مودته لها ، اوبمهاتفة اخوانه وأصدقائه ، أو بحسن آداء عمله و… ، فليعلم ان تربية سابقة وسليمة هي التي غيرت سلوكه وأيقظت فيه هذا الوعي بالتحسن الى الافضل ، وتوجت فيه هذا السلوكات الايجابية .. واما مكان العبادة الذي يتردد عليه ، فما هو الا فضاء عقدي روحي ، تتحرك وتتفاعل فيه كل هذه الاستعدادات بعد نضجها واكتمالها .
وان لم يتغير المرء الى الاحسن بعد خروجه من مثل هذه الامكنة ، فليعلم انه لم يقطع صلته، بعد ، بعقده النفسية والفكرية السابقة ، وانه سيبقى - رغم احتمائه بها - مجرد ظاهرة صوتية عابرة، وموصوفة احيانا بالنشاز .
✍️محمد خلوقي