كيف ترى الله؟ ! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

كيف ترى الله؟ !

حمزة الوهابي .. طالب بكلية العلوم القانوينة طنجة

  نشر في 21 شتنبر 2015 .

           يروى أن من بين أولى القواعد التي لقنها المتصوف الشهير مولانا شمس الدين التبريزي صديقه ورفيق سفره وسلوكه مولانا جلال الدين الرومي، في طريق سلوكهما إلى الله سبحانه وتعالى قاعدة أساسية وجليلة في علم التصوف، وتقول هذه القاعدة: " إن الحالة التي نرى فيها الله و الطريقة التي نراه بها ما هي إلا انعكاس للطريقة التي نرى فيها أنفسنا. فإذا كان الله لا يجلب إلى نفوسنا وعقولنا غير الخوف و الملامة، فهذا يعني أن قدرا كبيرا من الخوف الملامة يتدفق من نفوسنا، أما إذا كنا نرى الله مفعما بالحب و الرحمة، فهذا يعني أننا نكون كذلك مفعمين بالحب والرحمة ".

إن الباحث في مسار السالكين إلى الله يجد أنهم في طريق رقيهم بقلوبهم في معراج المعرفة الإلهية، تلك المعرفة الأصل المتصدرة بين أرقى المعارف قاطبة وصاحبة الفضل عليها، يسلكون في تطورهم الروحي ورقيهم ذاك خطوات أساسية تبدأ بمعرفة النفس وتجلية جوهرها الإلهي، إذ هي أية من آيات الله وفهمها وإدراك كنهها ولطائفها بالغوص في أعماقها استنباطا لأسرارها واستشرافا لأنوارها الغيبية، تعتبر خطوة مهمة في المسيرة الشهودية للإنسان ودليل على أنه قد اختار الدرب السليم. وتأتي بعدها باقي الخطوات من التخلية التحلية وصولا بالتزكية، وإن شأت قلت إسلاما فإيمانا فإحسانا؛ أو علم يقين، فعين يقين، فحق يقين. أو كما يقول العارفون بالله: استغراق بالكلية في حب الله والهيام به، ثم عشق قد يبلغ بصاحبه أحيانا حد الشده...

وقبل أن يصل الإنسان إلى درجة الهيام وبعدها العشق، يمر بمرحلة أولية يعالج فيها قضية أساسية ومركزية في سلوكه إلى مولاها، تلك القضية التي وردت في قاعدة مولانا شمس الدين الذي سبق أن ذكرتها أعلاه، وهي كيفية رؤيته لله. وإن الناس في هذا الأمر أصناف، أدنى تلك الأصناف صنف يعيش في الدنيا شقيا، يتطير من الجميع، ويعزوا ويعلق كل مشاكله على الأخرين، حيث يجعل منهم مشجبا يعلق عليه أخطائه وخيباته. أما أرقى تلك الأصناف صنف ينظر الى الحياة بعين الرضى، فهي في نظره ميدان للتجارب والتعلم من الأخطاء، ومشاكلها وأزماتها إنما هو إبتلاء من الله سبحان يأجره عليها، وهي سر من أسراره يدل عليه، ودليل على قرب الله من العبد ومحبته له، فما يصيبك إنما هو عناية الله لك ولأمرك.. وقديما قال الكثير من العقلاء، أن المحن ما هي إلا دليل على حب الله للعبد الممتحن، ""فلا يمتحن إلا المؤمن" كما قيل.

إن مما تجده في هذه الفئة الراقية المؤمنة، التي تنظر الى الله بعين الرضى وتراه بعين المحبة الصادقة الصافية، وتوقن بأن الله خلق الإنسان من أجل الحب وبالحب، وأن علاقة الانسان بالله هي علاقة حب ووله أزلي، حسن تعاملها مع بقية المخلوقات. إذ تجد أن الواحد منهم يسلك مسلكا خاصا ملؤه الإحسان والصفاء والصدق والوفاء، كما تجده أيضا يعيش في حياته زاهدا قنوعا يحب الخير لغيره قبل نفسه وربما ينسى نفسه ويهملها في سبيل الجميع، همه أن تهدى البشرية ولا شيء غير تبليغ هذه الرسالة.

و من الأمثلة الشاهدة على هذا الكلام، مقولة طالما رددها بديع الزمان النورسي رحمه الله وهو يدعوا أبناء أمته للعودة إلى نبراس المحبة، حيث كان يقول فيها: "إذا رأيتُ إيمان أُمتي في عافية، فأنا راضٍ بأن أحترق في النيران،إذ بينما يحترق جسدي يرفل قلبي في النعيم". وهذا الكلام قد يعده المرئ من قبيل الشطحات والخروج عن السجية السمحة، إلا أنه كلام نابع عن ذات واعية بحقيقة الإستخلاف ومركزية الإئتمان، بحيث يرى النورسي وغيره من العقلاء ومنظري علم السلوك أن جوهرة الرسالة الإسلامية هي نشر قيم المحبة ونكران الذات، وأن العبادة الله لا تكون خوفا من النار أو طمعا في الجنة، وإنما الأصل فيها أن تكون من أجل نيل حب الله، فهي في حد ذاتها ممارسة للمحبة.

وأخيرا اعلم أخي اعلمي أختي أنكما متى ما غيرتما نظرتيكما وتصوريكما لله، تغير الكون من حولكما لينقلب ضياءا بعد أن كان ظلاما، ولينقلب جنة بعد أن كان نارا.. بل لينقلب حبا وعشقا وولها بعد أن كان حسدا وكرها وبغضا... فهذا هو سر الحب الإلهي، ما أن يدخل القلب البشري حتى تنقلب أحزانه وأشجانه إلى أفراح ومباهج ترقص للحياة وتتغنى للمستقبل، تلقي عن ظهر الإنسان أثقال الدنيا وأدران مشاكلها، وتفتح أمامه صرحا روحيا تلقيه في لجة بحره، حيث يتسمى فيه عن أسمال المادة وأوحالها..

بيدكما الأن مفتاح التغيير الحقيقي، الذي ما خاب من تمسك بتلابيبه، ولا ضاع من اهتدى بنوره.. هو عين اليقين وسراجكما المنير ودربكما المستقيم..ما عليكما إلا أن تقتحما العقبة وتحسنا الظن بالله. فكنا مع الله تجداه اتجاهكما يحفوكما بحبه ورضاه، ويعزكما بمجده وثناه.


  • 4

   نشر في 21 شتنبر 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا