رثاء الأنبار... شبراً فشبراً أرتديكِ قصيدةً - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

رثاء الأنبار... شبراً فشبراً أرتديكِ قصيدةً

رثاء المدن المدمرة في الأدب العراقي

  نشر في 17 شتنبر 2015  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

يحتل رثاء المدن المدمرة مكانة هامة في الأدب العراقي، ويعد الرثاء الحزين على ما تدمّر من المدن العراقية خلال العمليات العسكرية والحروب المستمرة في البلد، موضوعا رئيسا في الكثير من النتاجات الأدبية.

ويُعَد الرثاء، والمناحات، من أقدم النصوص الأدبية التي وجدت في العراق، والتي اختصّت بحوادث تاريخية محددة؛ من دمار وخراب المدن وانهيارها. ويعكس أدب الرثاء ببلاد الرافدين حزن الناس، والشعراء والأدباء منهم على وجه الخصوص، وتمثل قصائدهم حالة من التذكير بالمآسي التي تُحدِثها الكوارث السياسية غالبا.

أنين المدينة الساحرة

الأديب الأنباري، عمر عبد العزيز العاني، أستاذ كلية الآداب، بجامعة البحرين، رثى قبل عشرات السنين مدينته التي أُغرقت تحت المياه أحد السدود المقامة على نهر الفرات، المدينة أُغرقت كليّاً في عام 1986-بسبب بناء سد القادسية لتوليد الطاقة الكهربائية-. هكذا بين ليلة وضحاها اندثرت مدينة هي من أقدم مدن العراق، انتهى وجودها، حكاياتها، وأزقتّها التي تغزّل بها الشعراء. ولم يبق منها سوى ذكرى تشتعل في قلوب الشعراء.

ويستذكر الأديب العاني في رثاء نواعير مدينته الغريقة التي يعود تاريخها لأكثر من ألفي عام قبل ميلاد السيّد المسيح (عليه السلام)، بقوله عنها "تعدّ روح المدينة الساحرة التي تتصارع مع الزمن، لها أنين ربما يعدّ قاتلا لأصحاب القلوب النابضة، ذُكِرت في أرقّ الشعر وأعذبه، على أنين النواعير كانت تهدهدنا الأمّهات بحزين الأنغام، كثر منها كان دعاءً وأمنيات بيضًا عزّت على أبي العلاء المعرّي ففنيت فيما زمان غربته ووحشته لم يفنَ". ويقول في مرثيته:

الـنـواعـيـر والـهوى والفرات *** والأسـاطـيـر والـنوى والشتات

وتـر الـذكـريـات يـعزف لحنًا *** يـا لـقـلـبـي ستعزف الذكريات

فـاحـمـلـيني على السفين فما لي *** غـيـر ذكـرى الذين كانوا وماتوا

والـسـواقـي الـتـي تزفّ صبانا *** والـعـنـاقـيـد فـوقها مشرعات

الأمان الأمان إنّ فـؤادي *** رهـن ذكـرى وثَـمّ تـقضى الحياة

الـنـواعـيـر والـرحى وشجون *** وبـقـايـا رسـومـهـا والـرفات

آذن الـبـيـن بـالـرحـيل ما إن *** ودّعـتـنـا عـلـى الجوى عانات

فـإذا بـالـسـمـاء تـمطر ذكرى *** قـد خـلـت أمـس قـبلها المثلات

هذا الرثاء الجميل، للمدينة القديمة، أُتبِع بمرثيات أخرى، لمدن هدّمت وحطّمت هي الأخرى بصورة وحشية خلال العمليات العسكرية الدائرة التي يشهدها العراق اليوم، وما أُلحق بالمدن من دمار وتشريد للأهل. فظهرت على الساحة العراقية نصوص أدبية في رثاء مدن بلاد الرافدين بأسلوبٍ أدبيّ مميز.

ويحاكي الأدباء العراقيون بنصوصهم الأدبية، مدنهم المدمرة برثاءٍ حزين. وقد تكون محافظة الأنبار التي تشهد حربا مفتوحة منذ نهاية 2013 صاحبة الحظ الأكبر في الرثاء الأدبي في نافذتنا هذه، ربما لأن مدنها كلّها نالها الكثير من الخراب والموت والدمار.

بيوت الرمادي

يرثي الأديب الأنباري، فؤاد مطلب، بيوت مدينته، الرمادي مركز محافظة الانبار، ويقول في مرثيته:

بيوت الرمادي دخانٌ ونار

وسكانه عجمٌ او تتار

رأيت ولم اتمالك دموعي

بيوت الرمادي يزفونها للغزاة

يهيلون فوق جدائلها الفزعات الرصاص

وتحت بساطيلهم _ يالَ كلّ الاسى_

جثة للفرات

شوارع هائمة

ثمّ ينقل الأديب الأنباري، نامق عبد ذيب، رسائل من مدينة الرمادي التي باتت محترقة وتبعث في النفس أصنافا وأشكالا من الخوف والألم، يقول فيها:

الشوارع هائمة هذه الليلة

الأشباحُ لا عدد لها

تخرج من الأبواب المتكسرة للبيوت

بكاملِ هدوئها. الفرات بلا قصب

ماذا ستقول العتابات للناي

وكيف سيشهقُ الراعي

حين تداهمه زهرة غافية

خرائب دورنا

وبألم ممزوج بالأمل، يرثي أديب جامعة الانبار، عامر مهيدي صالح، مدينته التي باتت خرائب بيوت. بأبيات هي أقرب للأمل والتحدي وقسماً بالعودة للفرات وبيوته، يقول في قصيدته:

ولسوف أبني من خرائب دورنا

بيتاً وينبوعاً هناك ومزرعهْ

وسيُفتح البابُ الذي لكِ طالما

أقسمتُ بعدكِ عائداً لن أقرعهْ

شبراً فشبراً أرتديكِ قصيدةً

فدمي بغير رويِّها ما أبشعهْ

هذا فتاكِ بغير أرضكِ دارتي

مهما غدا مهما سما ما أضيعهْ

حرب.. لعلها هي الأخيرة

حرب فحرب، حتى ضن الكاتب ورسام الكاريكاتير ميثم راضي، من محافظة ميسان العراقية، أن حرب بلاده التي يخوضها كل مرة ستكون الأخيرة، ويقول في مرثيته:

قلنا: لعلها هي الأخيرة ...

وأننا لن ننجب بعدها: حرباً أخرى

وهكذا قمنا بتدليلها كأنها اخر العنقود

ربطنا في ضفائرها: شريط العاجل الأحمر الذي يتحدث عن تحرير البلدات

ووضعنا في أقدامها: أحذية كل أولئك الصغار الذين بُترت أقدامهم

ثم تعلمت المشي فوراً ...

واشترينا لها لعبة على شكل أدوات المطبخ ...

ورأيناها تعد فيها الطعام للجنود والناس

وعلمناها الكلام ...

وكيف تفتح الهاتف وترد: عندما تتصل الأمهات

ألا نشتهي وطناً

"وهكذا الموتُ، أن لا نشتهي وطناً" يجسد محمد السويدي، من محافظة صلاح الدين، في هذا البيت من قصيدته "مشيئة الموت"، ألم العراقيين الذين سئموا مصائب وطنهم. ويقول في قصيدته:

وأصبحَ الليلُ لا يأتي كعادتِهِ

بل استحالَ غريباً

نحنُ وحشتُهُ

وخاطرَ الدمعَ

لما لم يُحط خُبراً

بمن يموت ولم تدريهِ موتتُهُ

وهكذا الموتُ

أن لا نشتهي وطناً

حتى تهيلَ علينا منهُ تربتُهُ

بأدب الرثاء الذي عُرف متميزاً بحزنه العميق، ومن أرض الرافدين، نصوص أدبية، رثى أدباءها مدنهم المنكوبة والمدمّرة. ويبقى هذا النمط الأدبي ملازماً لحضارة بلاد الرافدين كموروث ديني واجتماعي ووطني نلمسه في العديد من المدونات الأدبية التي تعد إحدى مزايا الأدب العراقي.


  • 1

   نشر في 17 شتنبر 2015  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا