عن الحق فى التعبير - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

عن الحق فى التعبير

  نشر في 20 يناير 2016 .

ينص الدستور المصرى على أن (حرية الفكر والرأى مكفولة. ولكل إنسان حق التعبيرعن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر) ولكن..

قد يوصلك التعبير عن الراى الى أحد ابواب السجن الكثيرة فقائمة التهم التى قد توجة اليك وتشمل ازدراء الاديان , ترويج الأشاعات , الحض على الفجور , الترويج لافكار متطرفة , التشهير , الأضرار بالامن القومى الخ طويلة للغاية.

وأشكالية الحق فى التعبير مثلت ولا زالت تحديا فكريا وقانونياً كبيراً فى كافه النظم القانونية و السياسية وان كانت النصوص الدستورية و الدولية أكدت على كفاله هذا الحق ألا ان حرية ممارسته ( ككافة الحقوق ) ليست مطلقة مجردة من كل قيد ..

فعلى الصعيد الدولى يحدد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الإطار الأساسي الذي يقنن هذا الحق فاقر بجواز أخضاع الحق فى التعبير بقيود ولكن ( شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة )

اما الميثاق العربى لحقوق الانسان فينص على انه (تمارس هذه الحقوق والحريات في إطار المقومات الأساسية للمجتمع ولا تخضع إلا للقيود التي يفرضها احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة )

وبالطبع فإن هذه القيود تبدوا فضفاضة للغاية ولا توجد ضمانة لعدم التعسف فى تطبيقها الا التزام السلطتين التشريعية و القضائية فى كل دولة مقتضيات العدالة و ذيوع ثقافة حقوق الانسان فى المجتمع الذى يطبقها .

وان كان غالبية هذه القيود تنصب على منع الخطابات التى تحض على الحقد أو الكراهية لأسباب عرقية أو دينية والتشهير بالأشخاص و المنتجات التجارية الا ان ذلك نطاقها أحياناً يمتد ليشمل الاراء السياسية ففى بولندا تعتبر الاسأة لرئيس الدولة جريمة وفى استراليا قضى بالسجن على السياسي ألبرت لانغر1996 لتحريضه الناخبين على كتابة أرقام ليست ضمن الخيارات في ورقة الاقتراع اعتراضا على العملية السياسية وفى بلجيكا 2004 منعت السلطات عرض تمثال مسىء لصدام حسين وصدر فى فرنسا قانون جيسو 1990 لايقاف الكتابات المشككة فى الهولوكوست بفرض غرامات ضخمة على ناشريها وفى 2006 القت السلطات النمساوية القبض على المؤرخ ديفيد إرفينج بتهمة التهوين من جرائم النازية .

وكذلك يشن مناهضوا الاباحية حرباً ضروساً ضد انتشارها باعتبارها أعمالاً فنيه ولكن انتصارتهم محدودة تكاد تقتصر على فرض حماية قانونية للاطفال من بعض المواد فى ظل عدم وجود معيار واضح لتحديد ما هو اباحى .

وكذلك ثار جدل حول وضع قيود على نشر ما يسهل ارتكاب الجرائم كتصنيع الاسلحة و المتفجرات وقد رفعت دعوى قضائية على احدى دور النشر الامريكية فى الثمانينات بعد جريمة قتل حاكي فيها القاتل تفاصيل تقارب الارشادات وردت فى أحد الكتب التى نشرتها بعنوان دليل القاتل المأجور .

وبينما يصعب تحديد نطاق موضوعى محدد لحرية التعبير على المستوى الدولى للتباين الكبير بين الثقافات ( وصف شخص بالالحاد فى المجتمعات العربية مثلاً يندرج تحت توصيف جريمة السب والقذف بينما لا يعد الوصف اهانة فى المجتمعات الغربية من الاساس) وكذلك أحتراماً لسيادة الدول و لكن هناك معيار أساسى شامل له وهو ان الاصل فى الحق فى التعبير الحرية ولا ينتقص منه الا لضرورة ملجئة و انة ككافة الحقوق أستعمالة مقيد بان يكون بحسن نيه وبدون تعسف فلا تقوم قرائن على سوء النيه كمن يستمر فى ترديد اشاعة او معلومات مغلوطة رغم يسر الوصول الى الحقيقة او التنبيه عليه بخطأه ولا يكون استعمال الحق تعسفياً لايقصد باستعماله الا الاضرار بالغير او تحقيق مصلحة غير مشروعة او تافهه قياسا على الاضرار التى تصيب غيره جراء استعماله هذا الحق .

وقد جرت محاولات لوضع معايير استرشادية للقضاة لأساءة أستعمال الحق فى التعبير و فى الولايات المتحدة اعتمدت المحكمة العليا بدء من العام 1973 اختبار ميلر كمقياسا لما يمكن اعتباره إساءة أستعمال لحرية التعبير ويعتمد على ثلاثة اسس وهي : مدى قبول طريقة التعبير من غالبية اعضاء المجتمع , إذا كانت طريقة إبداء الرأي تعارض قانون سارى فى الولاية ، واذا كانت طريقة عرض الرأي تندرج تحت التصنيف الادبى او الفنى بشكل جاد فى محاولة لدرء خطر تغليب القاضى رؤيتة الشخصية للموضوع فى ظل غياب النصوص القانونية القاطعة التى تحد من السلطة التقديرية للقاضى والتى تصل فى قانون العقوبات المصرى لامكانية اختيارة عقوبة لجريمة ازدراء الاديان (كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية) ما بين غرامة تافهة 500 جنية فقط الى السجن خمس سنوات !

وان كانت الاشكالية على الصعيد القانونى معقدة فهى على الصعيد الثقافى أكثر تعقيداً ..

ففى كافة الثقافات و المجتمعات و الأشكالية قائمة متجددة وان كان الفقة الاسلامى سابقاً فى بحث الموضوع (للمفارقة) حيث فرق الفقهاء بين مقتضيات اديان غير المسلمين المؤديه لانكار نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم و صدق رسالته ضمنياً كرفع الصلبان و الاحتفال بقيامة المسيح الخ و ما ليس منها كالتعرض بالايذاء والسباب و الأستهزاء بالأسلام وان كانوا أسسوا التفرقة على اساس العهد المنظم للعلاقات بين الافراد فى المجتمع وليس بناء على مفهوم الحق .

وفى العصر الحديث يعد جون ستيورات ميل المدافع الاول عن حرية التعبير ومن اقواله المأثورة (إذا كان كل البشر يمتلكون رأيا واحدا وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأيا مخالفا فان إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل بني البشر إذا توفرت له القوة) , ولكن لم يستطيع ستيورات (او غيره ) وضع قيد على حرية التعبير سوى "الحاق الاذى بالاخرين " على ما فى هذا من سعه وتباين .

واليوم نجد من يختارون الحل "السهل " و يرفضون تقييد حرية التعبير بإى قيد رافعين شعارات براقة جذابة ان الراى لا يجابه الا بالراى و كتم الراى كتم للحق .

وفى الحقيقة ان هذا التوجه "حسن النيه " يفتقر للواقعية فليس كل ما يقال هو راى حقيقى يمثل وجهة نظر ولكن فى كثير من الاحوال يتعلق الامر "بسلعة " مثل البرامج التلفزيونية التى غايتها تحقيق الربح المادى من خلال الأثارة واحيانا اخرى تكون المنابر الاعلامية وسائل للابتزاز والتشهير و فى واقعنا ذو اللون الغامق ترتكب وسائل الاعلام جرائم يومية فى تضليل الراى العام و تجهيل المشاهدين و القراء و تقسيم المجتمع و تحريض بعضه على بعض وترويج الاكاذيب عن الواقع السياسى و الاقتصادى ..فهل يستوى ان نسوي بين هؤلاء و بين من يعبر عن معتقداته وارائه بحسن نية ؟

وحجة اساسية للرافضين لاى قيد على حرية التعبير اننا نحيا فى عصر السماوات المفتوحة حيث محاولة الرقابة والتقييد تبدوا عبثية مع انتشار الانترنت و القنوات الفضائية فكيف يمكن ان يحاسب كاتب مقال يقراءة الالاف بينما يتكرر نفس الخطاب على وسائل التواصل الاجتماعى فيصل للملايين ؟

فى الحقيقة ان الرقابة على الانترنت عالمياً فى تزايد مضطرد و يوميا يحاكم مستخدمين للأنترنت بتهم ارتكابهم جرائم الكترونية بل ربما حالات الجرائم الالكترونية من تعليقات و مقالات عنصرية و تحريضية وتهديات اكثر من حالات النشر العادية .

ما يحققة عصر السماوات المفتوحة هو صعوبة أستمرار الأنظمة فى التعسف ضد الاراء المناهضة لها بقمعها و هذا يظهر وجهة نظر الرافضين لقيود الحق فى التعبير انهم لا يرون فى هذة القيود الا تجسيدا لقمع الدولة او الاغلبية على الاقل بينما هذة القيود الأصل فيها أن غايتها حماية حقوق الاخرين وتحقيق التوازن العادل .

وهذه هى القضية تحقيق العدل الذى يتطلب تعديل القوانين لتصبح أكثر عقلانية و تحقيق أستقلالية و كفاءة الجهاز القضائى لضمان حيدته وكذلك فدور الرقابة على حرية التعبير لا يقتصر على الدولة بل الدور الاساسى للنقابات و تجمعات المثقفين والاعلاميين و الفنانين والكتاب الذين يحمون حريتهم و كرامه مهنهم ورسالتهم بأزاء المتطرفين و الساعين للشهرة والمال على حساب اخلاقيات المهن و الفنون .

ولا يتأتى ذلك الا من خلال مجتمع يحرص على اعلاء قيم التسامح القائمة على الاحترام المتبادل والأعتراف المتبادل بالحقوق والحريات والرغبة فى التعايش السلمى و حماية المجتمع بكافة افرادة و فئاته , وهذا الذى يستحق التضامن من اجله حقاً .

واخيراً يظن البعض ان الاشكالية الحقيقية تكمن فى واقعنا السياسى ولكن هذا الواقع لم يأتى من فراغ بل هو مؤسس على اركان راسخة نحاول الان خدشها .


  • 1

   نشر في 20 يناير 2016 .

التعليقات

فاطمة أحمد منذ 8 سنة
عندما قرات العنوان خطر في بالي قول احمد مطر
قال لزوجته اسكتي /وقال لابنه انكتم ،، صوتكما يجعلني مشوش التفكير ..الا تنبسا بكلمة اريد ان اكتب عن حرية التعبير .. للفكاهه فقط
اما بخصوص المقال ما حدث لبرنامج باسم يوسف من ايقاف ومحاكمات جعلني خائبة الظن بعد كل تلك الثورات وانا اتحدث كعربية متابعة لانجح برنامج افتخر بوجود مثله في بلدي صحيح ليس بقدرة وكفاءه باسم يوسف ،، فما هو رايك بالموضوع كمصري





1
أحمد فتحى سليمان
الأشكالية واضحة .. هناك أسس ثقافية راسخة للأستبداد وسيظل الوضع على ما هو عليه حتى تستبدل هذه الاسس .. باسم يوسف فى نظرى لا يصلح كمثال للبحث فهو استثناء صارخ للغاية لكل الوضع الاعلامى العربى طيلة تاريخة القصير .. سيظل الحديث عن رفع القيود و تحرير الخطاب كلاماً فى الهواء لانة ببساطة يخاطب سلطات قمعية و داعميها و لا يحاول تغيير واقع ثقافى بالتدرج الطبيعي المبنى على تحقيق المصالح

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !


مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا