لا يزال الحزن يعتريه وقلبه يعتصر الما وهو يتابع الوقائع والأحداث وسط استفهامات من الماضي والحاضر ، كيف وصلنا لدرجة كره بعضنا ، كيف حمّلنا الجمع جناية العصابة ، كيف الصقنا بأيامنا و ليالينا ما اراده الوحش المتربص بنا عندما زرع بذور التفرقة ورسم خطوط الحدود و رسّخ فكرة الولاء لقطعة الارض التي نعيش عليها وقطعة القماش التي ترمز اليها ، متناسين اواصراعمق اختارها المولى القهار لنا دينا و الاخوة عنوانا والبراء عقيدة.

رفع قلمه وخط كلمات نابعة من حسرة عميقة استنطقت جراحات الفؤاد ، فأذاعت كلماتها أقوالا شاكية للمولى ما فعلته براقش بأرض الاوس والخزرج ، وكيف هدم راعي البقر ارض بابل ، و كيف اتحدت قوى الشر على مسح ارض الشام ، فكرمت الجلاد وصنعت منه الضحية ودمرت بيوت اهل الدار و حشدتهم جياعا عراة غرباء إرضاء لصناع الازمة والقضية ، و تفنن الحشد في نظم قصائد الجحود تحت انوار دمشق مهد الانسانية و القيم.

وفي لحظة ما اذا عصفت بفؤادك نسائم الحضارة ، فول وجهك شطر المشرق والمغرب أو استدر نحو منابع تاريخ العرب والمسلمين ، و ستصدمك مشاهد الحزن و كيف احتل كل مكان و سالت الدماء اودية تجري على قارعة الاحزان ، و الأفق يتألم كبكاء الامل جوف أفئدة من يحن لأيام العز والكرامة وحضارة الفاتحين  ، فأصبح الحقد والكره محرك المشاعر و كرهنا بعضنا لأجل قرارات حكام تشبعوا بوهم المعبد و أساطير الحارس سام المحروس بدب ارض الجليد مخرج المسرحية التي رسمت النصر ووزعت الغنائم بين راعي البقر و دبه الكاسر و من يتسكع في الفلك ، فعبثت اياديهم بالتاريخ  والجغرافيا فدنست اقدام اراذلهم مواطن الطهارة ، و عمد مرتزقتهم الى تسميم اهل الشام و العراق وليبيا واليمن ، و ترنح و تبختر جمع القتلة على أنغام الموشحات  وبعزف منفرد لروايات خيانة أهل الدار، فالحقد و الكره قد يتعطر و يتوشح بضمير الجمال الذي يجمع الضحية والجلاد في وعاء واحد ومن لا سلاح له إلا اضعف الإيمان، ليصل في نهاية المسارالي حقيقة كره الجميع للبيت الذي آوى يوما الاهل و بني الجلدة ،فقط لان الوحش الذي آويناه وسلمناه مصيرنا تحالف مع جبابرة العصر المفتقدين للشرعية، بهدف تعديل الهوية وتقزيم ادنى قضية، فزرع الشوك في دروب الاخوة وايقض الفتن في افئدة النيام، فهاجت وماجت وحصدت الارواح والبيوت متسترة على جرائم المجهول الذي يلقن الموتى دروس الوفاء والوطنية، فضاع الوطن وأقنعنا انفسنا ان الامر ليس بأيدينا واستحلت الاعراض وهدمت الصوامع وقلنا ايضا لم يكن الامر بأيدينا وتلخص المستقبل في كلمة واحدة..... تبتعد فقط عن بيتي وأهلي ومحيطي.

ان الاخوة المتحصنة بالولاء والبراء ومكافحة الآلام، تلك التي تتداعى لها كل الاجساد بالسهر والحمى ،تلك التي تستنشق عبق الكرامة وتتذوق ياسمين الكبرياء وتفوح منها النخوة المنبعثة من ملاحم التاريخ الضاربة جذوره في ضمائر وأفئدة الرجال، هي الكفيلة بتحريرنا من انفسنا ومعاداة بعضنا، وتوحيد لواءنا، وقتها فقط سيدرك الوحش وأزلامه خرافة تمجيد الجندي الوهمي، وستسجل عيونه ان المساجد امتلأت في صلاة الصبح تماما كما تمتلئ في صلاة الجمعة، وان الوقت قد حان لهبوب نسائم دين السلام والوئام، وتعود البركة لشامنا والسعادة ليمننا والشموخ لعراقنا وتعود مصر لأهلها، ويتوحد سوداننا و تركب البقية قارب النجاة في رحلة العودة لأرض ....الكرامة ......والقيادة ......والشنب الطويل. 

                                                                                                           محمد بن سنوسي

                                                                                                                  2020/09/10