الاحلام من هوميروس الى التلمود :

من اوائل الذين اعتبروا ان الاحلام تجلي عن القوى اللاعقلانية الكامنة لدى الانسان كان الشاعر الاغريقي الملحمي الاسطوري و مؤلف الملحمتين الإغريقيتين الإلياذة والأوديسة هوميروس ، كما انها قد تعبر ايضا عن قوة ملكاتة العقلية.

فهو يقول " ان الحلم يفضي الى بابين : الاول باب الحقيقة الذي مثلة على شاكلة قرن، والثاني باب الخطأ والوهم  والذي مثلة  على شاكلة العاج. والرمز الاول (القرن) يرمز الى الشفافية، بينما رمز (العاج) يرمز الى الصفاقة.

وتعتبر اشعار هوميروس تفسيرا نفسيا للاحلام ،فهو يرى ان الاحلام تعبر عن روح الحالم، وقد تحررت من قيد الجسد اثناء النوم، مع انه رأى ان الاحلام رسائل من الالهه الا ان الانسان في نظرة ما كان يستطيع ان يستلم هذه الرسائل لولا تحرر روحه من قبر جسدة.

اما سقراط الذي يستشهد به افلاطون في كتابه فيدون، فيزعم ان الاحلام هي اللغة التي يتكلم بها صوت الوعي. لذا كان من الاهمية ان يحمل الحالم هذا الصوت على محمل الجد و يخضع لايحائه. وان ايمان سقراط في الإلهام والوحي الالهي وتسليمة بالتكهن في الغيب يعني  ولو ضمنيا تصديقة بالاحلام و الرؤى، وضرورة الامتثال او التصديق بألهية مصدرها.

يَعتبر افلاطون ان الحلم تعبير عما هو حيواني ولا عقلاني في دواخلنا، الا انه يجعل هذة الاطروحه المتطرفة قيد الشروط، وهو بذلك يذهب نحو انه اذا نام الحالم وهو في حالة من طمأنينة والسلام الداحليين فأنه يبصر احلام على قسط اقل من اللاعقلانية. وهو بذلك لا يشير إلى الحاله العقلانية او اللاعقلانية معا بل يقصد بالدرجه الأولى ان الحلم يعبر عن دواخلنا من جانب همجي و فضيع، الا ان هذا الامر يصبح اقل عند الانسان الذي توصل إلى درجة معينة من ضبط النفس و بالتالي التحلي بمزيد من الحكمة.

النظرية الارسيطة في الحلم فقد قطعت أي صلة بين الأحلام والآلهة, فهي تمعن في التشديد على طبيعته اللاعقلانية، فأرسطو يرى اننا نتمتع إبان النوم بقسط ارفع من حدة الذهن و الرهافة التي تمكننا من معاينة ابسط الظواهر الجسمانية، فالامر الذي يشغلنا إبان النوم يبدو اوضح من ماهو عند اليقظة. كذلك لا يشير إلى ان جميع الاحلام ذات دلالات عميقة، بالعكس فهو يشير الى ان هناك احلام تحدث بحالات ظرفية عابرة وهو ما لا يستحق الاهتمام.

لدى الرومان فأن نظرتهم للحلم تكاد تتبع المبادئ التي توسع بها الاغريق، ففي كتاب طبيعة الامور لفلوكريس يشير الى ان الاحلام تلبيه لرغبات دفينه، من غير ان يشدد على هذه الرغبات اللاعقلانية، فيقول ان مناماتنا مشبعة بتلك الامور التي تشغل بالنا خلال حياة اليقظة، او انها تستجيب للحاجات الجسدية التي يلبيها الحلم.

اما اتيمودوروس الذي عاش في القرن الثاني بعد الميلاد، فهو يعرض لنا في كتابة حول تفسير الاحلام نظرية من اكثر النظريات تماسكا و تكاملا، فهو يرى ان هناك خمس انواع من الاحلام تمتاز لمواصفات مختلفة وهي "الحلم و حلم اليقظة و الاستبصار و اضغاث الاحلام و الكوابيس".

فالحلم يكشف عن حقيقة كامنه وراء صورة مستتره. اما حلم اليقظة فهو عندما يتفق لاحد الاشخاص ان يبصر بالفعل اثناء يقظتة ما سبق له ان ابصره في نومه.

الاستبصار هو عباره عن الهام او تحذير يأتينا به ملاك او ولي من الاولياء حتى يتسنى لنا تنفيذ مشيئة الله.

اما اضغاث الاحلام فهو ما ينتج من تصاعد اهوائنا لتصطدم مع خواطر اليقظه كمن يفكر بمحبوبتة نهارا فيراها ليلا وهكذا وهو خيال لا طائل تحته.

اما الكوابيس فهي نتاج الضعف و التوهمات التي يختص بها الاطفال و الشيوخ .

ياتي هنا التلمود ويضع لنا نظرية اخرى عن الاحلام حيث يذكر الحبر شيسدا يقول "ان لكل حلم بحد ذاتة معنى، ما عدا الحلم الذي يأتينا على اثر الصيام. هذا وحالنا مع حلم لم نفسره كحالنا مع رسالة لم نقرئها"

وبذلك فأن الاحلام عبارة عن مراسيل هامة ترسلها ذواتنا لذواتنا ولا يحق لنا ان نتجاهل تفسيرها.

وكان مؤلفوا التلمود يذهبون بأن هناك احلام تعبر عن رؤى صادقة، حيث حيث يقول الحبر جوشانان" هناك ثلاث احلام من الاحلام الصادقة :حلم الصباح، و حلم المتعلق بشخص غريب، والحلم الذي يفسره حلم اخر، ويذهب اخرون الى القول ان الحلم الذي يتكرر ينبغي اعتباره من الاحلام الصادقة".