لقد صار من اللازم أن نتجاوز مصطلح "العزوف" عن القراءة بالحديث عن عدم جدوى ما نقرأه .. و إنه من المؤسف أن كل الجهود التي بذلت في السنوات الأخيرة لتحبيب القراءة جعلت من الأدب كيروسينها الخالص ..
و إن كان لا يمكن الإنكار بأن تحبيب المطالعة و إذابة هجرنا للكتب ببعض الأعمال الأدبية الممتعة في مرحلة أولى كان ضروريا .. إلا أن هذه الأعمال وحدها مهما تنوّعت و تسامت لن توصلنا أبدا للهدف المبتغى من القراءة لأنها لن تصنع لنا بالنهاية سوى إنسان حالم و شاعري و مسالم بأفضل الأحوال .. و إن كان الأدب كمدينة تجذبنا بأضواء النيون فإنها لن تكون أكثر من مدينة ملاه ضخمة .. نخرج منها مستمتعين مترنّحين ..
فنحن بطبيعتنا نبحث عن كتب تمتعنا لأن فعل القراءة في اعتبارنا مرتبط بعنصر الاستمتاع و ننسى أنه يجب أن يكون أولا فعل بناء ..
و إنه من المخزي أن تظل الكتب التي تتناول الميادين التي أسست لمعظم العلوم الحديثة شبه مغيبة من مجموع قراءاتنا .. و لقد حان الأوان لنعيد النظر في أولوياتنا لدى اختيار الكتب فالمتعة ليست دوما مشترطة .. فهناك دراسات و كتب يحتاج المرء أن يقرأها ليستوي نضجه العقلي .. و هي قد لا تكون ممتعة لكنها مفيدة بأية حال ..و كما نأكل الكرنب و الفجل لفوائدهما الغذائية يجب أن نقرأ بعض الكتب لقيمتها المعرفية ..
و لهذا فالقراءة ليست هواية لأن كل هواياتنا ترتكز أساسا على عنصر المتعة .. إنها صدقة من نوع خاص تمارسه في حق نفسك ..
و أسوء ما قد يصادفه قراء هذا الزمن هو هذه العناوين التي غدى يتداولها الآلاف بالعالم .. صارت من الشهرة بحيث صار عدم اطلاعك عليها لا عذر شرعي له .. و إني أذكر كيف أكد أحد الأدباء بقطعية في أحد المجامع الفكرية أن سرّ عظمة بعض الروايات أنه لا يمكن أن لا يكون الإنسان قد قرأها و ذكر إحداها على سبيل المثال و تحدى أن يكون بالقاعة من لم يقرأها فوافقه الجميع حتى من بدت أنوفهم أطول من المعتاد .. و قد حصل أني فعلا لم أقرأها فأطعت عفاريتي و قمت و أخبرته بأدب أني لم أفعل و ذلك لأنها ليست سيئة بل لأنها لم ترقني و حسب .. و كان أن استنكر الكل أن يجالسهم من جنى على نفسه هذه الكبيرة .. ولقد كان عدم قراءة كتاب مشهور في نظرهم خروجا عن القبيلة يستبع الإقصاء و الإلغاء ..
و في الختم .. يجب أن نبدأ في التفكير جدّيا في تنويع قراءاتنا .. فإن ظل السياسي يقرأ لابن سينا و مكيافيلي و ظلّ العاشق حليف درويش و قباني و ظلّ المعتكف وفيّا لابن كثير و البخاري و ظلّ التلميذ يساير كتب المناهج و التافه يلاحق أخبار الحوادث .. فإنه لا يبدو أن العالم سيكون على موعد قريب لتحقيق السلام ..
إننا نحتاج أن نقرأ لنشرق و نتفتّح .. نحتاج أن نقرأ كلّ شيء لنتخلّص من أعراض الحساسية و لنؤمّن مناعة تحمينا من العدوى .. نحتاج أن نقرأ لننتقل من مخلوقات متوحشة لمخلوقات أليفة متحضّرة !!
-
السعدية بن التيس ( صحيفتك فملأها بما شئت )علمية التخصص .. أدبية الشغف !