صوت : ألو ... هل هذه مقهى النخبة العربية ، هنا نيويورك. أريد عزوز.

عزوز: هو الذي يتكلم معكم .

الصوت: أنا البروفيسور بان كي مون. الم تعرفني؟

عزوز: مع الأسف ، لم يسبق لي أن تعرفت على الإسم .

الصوت: ولو، أنا الأمين العام الجديد للأمم المتحدة. ما هذا يا عزوز؟

تكاد تنتهي مدة ولايتي ولم تعرفني أو تحفظ اسمي؟

عزوز: بسيطة يا سيدي، فنصف الوزراء الذين يتحدثون باسمي وبيدهم لقمتي ومصيري لا أعرف أسماءهم، وبعضهم لا أسمع به إلا عند تشكيل الوزارة. على كل حال ،أهلاً وسهلا، السي بان كي مون أية خدمة ؟

الصوت: تعرف أن الاستعدادت بذكرى الإعلان العالمي عن حقوق الإنسان قد بدأت.

عزوز: أي انسان! الإنسان الآلي؟ هذا الكائن المراوغ في الوقت، "ولد الحرام" الذي بدأ يتعلم في دقائق كل شيء تعلمناه نحن في سنوات، صار طيارا وطبيبا ومهندسا زراعيا وموظفا بنكيا، ووكيل عقارات ومستخدما في ورشات الميكانيكا، وطباخا شرطيا وعاجنا لكل أنواع الفطائر والحلويات من كعب الغزال إلى الشباكية.

الصوت: لا. لا. الإنسان العادي مثلي ومثلك يا عزوز "خليقة ربنا" الذي هو من لحم ودم ومشاعر. الإنسان الذي يزرع لنأكل، ويغزل لنلبس ويموت لنحيا.

عزوز: وما علاقتي أنا بهذا الموضوع ؟

الصوت: إن الأمم المتحدة معنية هذا العام بإقامة احتفالها السنوي بهذه المناسبة في إحدى دول العالم الثالث.

عزوز: ألم تجدوا سوى دول العالم الثالث مكانا للاحتفال بحقوق الإنسان؟

الصوت: لا. لأن هذه الحقوق في تلك البلاد وخلافاً للتقارير ما زالت موضع شك. ولهذا وجّهت الدعوة إلى كبار الكتاب والفنانين والتكنوقراطيين والمصفقين للمساهمة في هذا الاحتفالـ في أفق إنتاج فيلم وثائقي وشهادة حية أقف من خلالها على واقع هذا الإنسان وطموحاته، وعلى العوامل التي تجعل وتيرة نموه أقل بكثير من طاقاته وإمكاناته. وأريدك أن تشرف عليه شخصياً من حيث استقبال المدعوين ومصافحتهم وملاطفتهم، وترتيب أماكن جلوسهم، ومراجعة كلماتهم. فأنا أعتمد كثيراً على خبرتك وحكمتك في نجاح هذا الاحتفال.

عزوز: ولكنني تركت الأدب والسياسة منذ زمن بعيد، ومثل هذه المواضيح ستضعني في سين وجيم .

الصوت: هذا ليس موضوعاً سياسياً أو أدبياً، إنه موضوع إنساني . هل تخليت عن إنسانيتك أنت أيضاً يا عزوز ؟

عزوز: لا. ولكنك فاجأتني بمهمة خطيرة ليس عندي أي استعداد نفسي أو معنوي للاضطلاع بها. ليس عندي حتى الثياب اللائقة لأظهر بها في هذه المناسبة، التي تتطلب بذلة أنيقة ومميزة من بيار كاردان أو إيف سان لوران أو ما جاورهما .

الصوت: سترتدي ثياب الأمم المتحدة،يا عزوز، الله يهديك وهي أحسن ومعروفة.

عزوز: حسناً . وفيما يخص زمان ومكان الاحتفال؟

الصوت: كل هذه المعلومات ستصلك بالبريد الإليكتروني في حينه.

عزوز: والتعويضات!

الصوت: ستكون مغرية وبعملة البلد المضيف.

عزوز: لا لا لا أنا يساري ولا أقبض إلا بالدولار.

الصوت: وكيف صرت يسارياً بين ليلة وضحاها؟

عزوز: كما صار الأستاذ الذي على بالك وزيرا. هل هو أحسن من غيره؟

الصوت: جهّز نفسك للسفر فوراً.

عزوز: وما أن وصلت إلى مكان الاحتفال حتى هرع كبير الموظفين المكلّف بمرافقتي للاطلاع على كافة الاجراءات المتخذة، يشرح لي الآمال المعلّقة على هذا الاحتفال وسط بحر من الوفود والصحفيين والمصورين والمراسلين الذين تقاطروا من جميع أرجاء آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية: هذا يعبيء غليونه، وذلك يشعل سيجاره، والذي يراجع كلمته، والذي يختصر منها، أو يضيف عليها، وضحكات من هنا وتعليقات من هناك. وما أن بلغت القاعة المخصصة للاحتفال حتى صرخت بمرافقي: ما هذه الفوضى؟ من سمح لهم بالجلوس بهذا الترتيب العشوائي؟

المرافق: لقد اختار كل وفد مكاناً وجلس فيه وليس عندي أية سلطة تحول دون ذلك.

عزوز: أما أنا فعندي مثل هذه السلطة. ثم من هؤلاء الذين يجلسون في الصف الأول ويلفون ساقاً على ساق بكل هذه العظمة؟

المرافق: وفود من الدول العربية.

عزوز : وماذا جاؤوا يفعلون بهذه المناسبة؟ من وجّه إليهم الدعوة؟ ما من مؤتمر أو مهرجان في مناسبة حقوق الإنسان، أو حقوق الملاحة، أو حتى حقوق الفقمة.. إلا وتراهم جاهزين بكلماتهم وتوصياتهم وبرقيات تأييدهم واستنكاراتهم. يا إلهي. هل ينامون بثيابهم في المطارات؟ أخرجهم حالا من القاعة كلها، بل حتى لو وجدت في هذا المبنى ولو "تواليت عربي" سأقدم استقالتي وأنسحب.

المرافق: ألا يمكن أن نسمح لهم بالبقاء ولو كمراقبين؟

عزوز: مراقبين على ماذا؟ على حقوق الإنسان؟ هل أنت مخبول؟ هل يؤتمن الثعلب على الدجاج؟ هيّا ... ليغادروا المكان، ولتقف جميع الوفود في الزاوية ريثما أعيد ترتيب الجلوس حسب هذه اللائحة التي أعددتها بنفسي. فهناك أصول ومقامات يجب أن تراعى في مثل هذه الأحوال.

المرافق: وهذه لائحة يا سيدي بأهم البحوث والموضوعات التي ستلقى في الاحتفال، وكلها لها علاقة وطيدة بالحياة اليومية والمعيشية للمواطن العربي . هل أتلوها عليك؟

عزوز: طبعاً، وبسرعة.

المرافق: الكلمة الافتتاحة سيلقيها الدكتور خوريا موريا من الأرجنتين عن الجذور التاريخية والفلسفية لحقوق الكلاب والكباش عند "بريجيت باردو". ثم يعقب عليه الدكتور غوهو موهو من بورندي بمقولة ديمومة الإنسان في ظل الفرد والشيطان والكينونة والحداثة للهندي "راهوم بلا هواهم" .

عزوز: عظيم عظيم.

ولكن أسرع، جميل ،

إسمع لابد من وضع عناوين سمينة تجر فضول الحضور .....

المرافق: ثم هناك التكنولوجيا ومستقبل البيدزا ، من خلال كتابات الياباني "شي واكل شي".

الاسطورة وخيال الانسان.

ثم محاضرة حول المعكرونة وبطن الإنسان.

ثم محاضرة بورندي تنهض.

جزر محاضرة شيسيل تتمخض.

ومحاضرة افريقيا تتحفز.

و محاضرة وترينيداد تقود العالم .

عزوز: عظيم . عظيم .

والآن، يجب أن يكون ترتيب الجلوس على الشكل التالي:

في الصف الأول: يجلس المقامرون وتجار الإنتخابات والبرلمانيون الأميون وباعة الذمم ومشتريها أيضا والمشعوذون والمتطرفون واالمتهربون من أداء الضرائب وهاضمي الحقوق دون مشروبات غازية طبعا، ومهربو السلع الموبوءة والأغنياء الجدد، ولصوص البورصة ومضاربي العقارات والفالتون من العقاب والمداحون وأصحاب الكباريهات الغير المصنفة والجلادون من تندوف والموظفون الأشباح والساحرات والخاسرات مقاربة للنوع .

المرافق : سيدي. ما هذا ؟ أرجوك أرجوك أعد النظر يا سيدي عزوز .

عزوز: لا أريد مناقشة أو اعتراضا من أحد فهذا الترتيب نهائي. وجاء نتيجة دراسة ميدانية في معظم أرجاء العالم الثالث. ثم، لو لم أكن موضع ثقة سيادة الأمين العام للأمم المتحدة لما كلفني بهذه المهمة، وأرجو عدم مقاطعتي بعد الآن.

"مزيان تبارك الله ، تقادو لكتاف"