يحزننى عدم إحترام التخصصات العلمية فى بعض الدول العربية، فقد تجد من لم يدرس العلم الأكاديمى، يعمل بالخبرة فقط دون العلم، وهذا لا يجوز لأن من لم يمتلك أساسا علميا فى بعض المهن، ربما أدى إلى كوارث لا يعلم مداها إلا الله.
ففى إحدى دولنا العربية دون تحديد أصبحت ههناك مهذلة فى القطاع الطبى، فمثلا شخصا ما لم يدرس العلم الأكاديمى عن الدواء فى مكانه المخصص لذلك، وهى كليات الصيدلة، وأصبح من أصحاب الصيدليات بعد عمله فترة كمساعد صيدلى فى صيدلية ما، وإذا اعترضت تكون الإجابة بأن الخبرة خير من العلم، وأن هذا العلم ما هو إلا نتاج التجربة، وهو قول حق يراد به باطل، فالخبرة تأتى بعد العلم وليس العكس، وأما عن أن العلم قائم على التجارب فهذا صحيح، ولكنها تجارب قائمة على أسس البحث العلمى الذى أقره المجتمع فى عصرنا الحديث، ورغم ذلك فالجدال يستمر ويستمر دون جدوى أو نفع.
ولكن دعنى أحدثك عن كارثة على وشك الوقوع ربما خلال العشر سنوات القادمة، المضادات الحيوية كانت هى العلاج الوحيد ضد البكتريا، ولكن بشرط أن تكمل الجرعة المحددة، ولا توقفها بعد شعورك بالتحسن، ولكن للأسف أن فى بلادنا يمكن أن تأخذ ما يسمونه (مجموعة برد) وهى عبارة عن قرصين من المضاد مع قرصين من علاج البرد وأعراضه، وبذلك لا نكون قضينا على البكتريا ولكن فقط ثبطنا عملها، والبكتريا هى المستفيد الوحيد من ذلك فلقد كونت مناعة ضد هذا المضاد، ولن يأتى بنتيجة معاها مرة أخرى.
هذه المأساة قد نتجت بسبب الخبرة المدعية والرغبة فى جمع المال دون النظر لما يسببه من مخاطر فى المستقبل، وقد تفاحل الأمر لتجد أن بعض الممرضين ربما يقوم بعمل الطبيب المعالج، دون احترام للتخصص، وللأسف ربما اكتسب ثقة المرضى من خلال تعامله الجيد وحسن أسلوبه.
وسأحكى لكم يوم أن قابل العلم الخبرة:
فى أحد الأيام كانت الخبرة تتفاخر وتتباهى أنها تعبت وعانت الكثير من الصعوبات حتى تصل لما هى فيه من مكانة بين الناس، حتى أصبحوا يفضلونها على كثير ممن يعمل فى نفس المجال من ذوى العلم، فأثار ذلك حفيظة العلم وهب للدفاع عن نفسه، وعن السنوات التى قضاها فى دراسة العلم حتى يكون أهلا للعمل فى هذا المجال فتحداه أن يجاوب على أسئلته.
فردت الخبرة ردا حانقا: أستطيع أن أجاوب على أى سؤال لك فخبرة السنين والإحتكاك بالبشر أهم بمرات من ذلك العلم الأكاديمى الذى تفنون فيه حياتكم ثم تتخرجون كمن حمل بالأسفار ولم يستفد منها بشيء.
فرد العلم قائلا: فلنبدأ إذا.
-لماذا كان فى كل علم أهل إختصاص إذا كانت الخبرة مغنية عن العلم؟
= فرد ساخرا: لا شيء إلا لتحصل على رخصة لمزاولة المهنة.
- لا بل لأحصل على علم يؤهلنى يجعلنى أهلا لمزاولة المهنة، فالأسس أهم من الفنيات، التي لايمكن فهمها دون أسس تعتمد عليها ليسهل إكتسابها والتعامل معها، وما ينقص من خبرة، فيمكننى التحصل عليه في أقل من عشر سنوات، وسأكون قد تفوقت على كل سنين خبرتك القائمة على عود من قش.
= فرد غاضبا: إنك تحلم فلا فائدة من علم لم يطبق فى وقت دراسته.
- إنك على حق فى هذه النقطة، وهو عيب فى العملية التعليمية، ولك الحق فى هذا الإعتراض.
= فرد وقد عادت له ثقته مرة أخرى: إذن أنا على حق، فالخبرة أهم بكثير من ذلك العلم النظرى.
-لا بل الحق، أن الخبرة لا يمكن فصلها عن العلم، والعلم لا يستقيم دون الخبرة.
وانتهى ذلك الحوار بينهما دون أن يقتنع صاحب الخبرة المدعاة، ولكن التاريخ قد أثبت أن الحضارة لا تبنى إلا على علم، وأنه لا خير فى أمة حقرت من شأن علمائها، فالعلم يعلو ويتفوق، وبالعلم وحده وإحترام تخصصات كل مهنة يتقدم المجتمع وينهض، وقد اقتضت سنة الله فى الأرض بأنه لن تصبح امة فى مصاف الأمم المتقدمة إلا بالعلم والعلم وحده.
-
يوسف فليفلأكتب في كل ما يخص الجانب الإنساني والنفسي كمحاولة لفهم أفضل لعاولمنا الداخلية.