آخر من عايدنا - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

آخر من عايدنا

  نشر في 05 غشت 2021 .

قبل ليلتين جاء أحد أصدقائي معايدا، وظنناه آخر من يعايدنا، ولكن بعد مضي اثنين وعشرين يوما من عيد الفطر أقبل علينا خمسة عشر من أبناء عمومتي وقد قصدونا من قرى الجراحي معايدين.

فقدمنا لهم العيد وغديناهم بالمقسوم ودارت بيننا أحاديث شتى:

شكوا من قلة الغيث والصيب وشحة الدغل وهزل أغنامهم، وقالوا أن نهر الجراحي جفّ من كثرة السدود التي بنتها الحكومة وحرمتنا من المياه، كنا نزرع الرز في الأعوام الماضية، لكننا الآن لا نستطيع ذلك لأن نباته يحتاج سقيا مداوما.

كنا نزرع البطيخ والنباتات الصيفية الأخرى، وقد حُرمنا منها بعد جفاف النهر.

ونظر كاظم الدرچال أحد أبناء عمومتي صوبي ثم قال بصوت يكاد أن يكون منخفضا:

أتدرون لماذا قلت الأمطار؟

ولم يمهلنا، فأجاب على سؤاله بنفسه فقال:

ذلك لأننا رضينا بدفع الرشاوي للدوائر الحكومية إذا ما راجعناها لقضاء أية مصلحة تافهة؛ ولا تمشي أمورك إلا أن ترشي الرئيس أو أحد موظفيه.

ثم تابع وهو يتأوه:

كنا نصيد السمك من النهر ونجففه على الحبال حيث لم يبق مكان لتجفيف الغسيل في الحوش لكثرة السمك، كنا نأكل (المسموطة) طيلة العام. وأمسينا نتحسر على السمكة وبيتنا على عدوة الشط، بل على شفا جرفه.

ووجّه حديثه نحوي بصداقته القروية سائلا ثانية:

لماذا نخيلنا مغبر يا ابن العم؟! أليس لأننا ابتعدنا عن الله وتركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

ثم تكلمت عفـّة وقد ضربت في العمر عقودا ليست بقليلة، قالت وهي تتذكر أيام شبابها التي خلت وتقارن نفسها مع بنات الآن:

كنا نستيقظ قبل الفجر عندما تصيح الديكة، نجلب المياه من النهر، فنحلب الشياه والأبقار، ثم نطحن ونعجن ونخبز؛ عند الضحى نتبع الرجال إلى المزارع حاملات الإفطار، فنلتقط السنابل التي سقطت من الحصاد، نحطب ونعلف الغنم الهزيلة والحمير إذا روحت عصرا، نطبخ الغداء والعشاء وكنا مرضعات، ولم يحدث أن اشتكت إحدانا من التعب.

ثم دار الحديث حول الحرب التي استمرت ثماني سنوات، وتذكروا ابن خالتي الذي ذهب يتسوق فألقوا القبض عليه وأرسلوه رأسا إلى جبهات القتال فاستشهد.

وقال أبو هادي يصف لنا تلك البرهة العصيبة من الحرب:

كنا نحصد الرز عندما هاجمتنا الشرطة يبحثون عن (المشمولين)، وهم الذين لم يقدموا إلى الخدمة العسكرية، فخبأنا الشباب في المزرعة، فلم يجدوهم وتعدت بخير.

وأضاف كاظم هازلا:

لو وجدونا لكنا في عداد القتلى الآن.

وقبل أن تصل الساعة الخامسة عصرا وبعد أن فتر المناخ الرطب الذي يتجاوز الخمسين درجة، ودعونا وحركوا نحو قراهم.

22 شوال

1436

سعيد مقدم أبو شروق

الأهواز



  • سعيد مقدم أبو شروق
    سعيد مقدم أبو شروق مدرس فرع رياضيات أسكن في الأهواز أحب القراءة والكتابة، نشر لي كتاب قصص قصيرة جدا.
   نشر في 05 غشت 2021 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا