المتأمل فى قصة سيدنا موسى عليه السلام يرى بجلاء قصة دورة تدريبية إدارية متكاملة الأركان على أعلى مستوى , فمع تنقلك بين أحداث القصة تلحظ بوضوح - من البداية - كيفية إعداد موسى عليه السلام لينطبق عليه بالفعل قول الله" وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي", ثم ترى بوضوح كيف أثر ذلك الإعداد الربانى على شخصية موسى عليه السلام و على كيفية إدارته لدعوة تمارس مع أصعب أهل الأرض مراسا و أكثرهم عنادا , و سنتناول فقط خمس كنور إدارية فى هذا المقال :
1- وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي
أول خطوة بدأ به موسى عليه السلام بعد الإستعانة بالله هى خطوة تكوين فريق العمل , وهذا أول ما يجب عليك فعله أخى الحبيب عندما تتولى أى مهمة دعوية , سارع فى تكوين فريق العمل , فعدم سعيك الجاد لتكوين فريق عمل يطلع بالمهمة المطلوبة هو بداية التقصير و الفشل فى أداء تلك المهمة , و فريق العمل فى قصة سيدنا موسى يتكون من موسى عليه السلام و أخيه هارون , تأمل جيدا أخى الغالى فعل الرغم أن موسى هو "القوى الأمين " وهو الذى قال عنك الله عزوجل "وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي" إلا أن ذلك لا يعنى انه قادر على القيام بالمهمة بمفرده فلابد منو جود فريق عمل , إحذاراخى الحبيب أان يغرك الشيطان بقدراتك وملكاتك مهما كانت فتظن أنك قوى دون إخوانك وقادر دون فريقك فهذا وهم و عبث أربأ بك أن تقع فيه , و من الجدير بالذكر أن موسى لم يختر سوى هارون بالإسم , لماذا يا ترى فعل ذلك؟..هذا يتضح فى الكنز الإدارى التالى .
2- هَارُونَ أَخِي
إنتق فريق العمل جيدا , فإذا اسأت تكوين فريق العمل فلا تشكو بعد ذلك أن الفريق لا يعمل بتجانس ولا يؤد المهام الموكلة إليه , ولعل موسى عليه السلام إختار هارون لعدة أسباب منها :
أولا : أنه أفصح لسانا قال الله عزوجل "وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا " و هذه مهارة لم تكن متوفرة بشكل تام لموسى , إذا ففريق عملك لابد أن يكمل بعضه البعض .
ثانيا : أن هارون تجمعه بموسى أواصر الاخوة و الود , و هذا عامل هام جدا فى إنجاح أى فريق عمل , فإذا دخلت البغضاء و عدم التآلف بين أعضاء فريقك فكن متأكدا أن الفشل قد عرف طريقه إليكم .
3- وَاجْعَل لِّي " وَزِيرًا " مِّنْ أَهْلِي
من حكمة سيدنا موسى أنه إختارلفظة "وزيرا" عندما طلب من الله عزوجل أن يشرك هارون عليه السلام فى أداء مهمة الدعوة , فإحرص عند تكوين فريق عملك على توزيع الأدوار بوضوح دون مواربة فهذا "مسئول فريق العمل" وهذا " نائبه " وهكذا , و على قدر دور كل عضو على قدر المسئوليات التى سيحاسب عليها , و إياك أن تترك فريقك دون هيكل إدارى فيضحى كلهم "مدراء" وكلهم مسئولون عن كل شىء و يصبح للمركب الواحد ألف "ريس" , هذا خطأ كبير فالكل يتواكل على الكل وفى النهاية لن يقام العمل وعندما تذهب لتحاسبهم فلن تجد من تحاسبه على أى مسئولية لأنك من البداية لم تحدد لهم أدوار واضحة و مسئوليات محددة.
4- اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي
المبادرة نصف النجاح , فلا تنتظر أن يأتيك المدعو ويطلب منك ان تحدثه عن الله , لا تتقوقع فى مسجدك و تعتكف فى محرابك هاربا من مواجهة الواقع فلقد مضى زمن ذلك, بل بادر وأذهب بنفسك إلى المدعوين فى الشوارع و الأسواق و النوادى و أماكن التجمعات , ولا تذهب بمفردك بل تحرك كفريق عمل "أنت و أخوك" , و لتدرك جيدا أن الفتور والكسل سيصيب فريقك من وقت لاخر فحفزهم و بث الأمل فيهم و "لا تنيا فى ذكرى"
5- وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي
مهارة التوريث الدعوى و التفويض الإدارى , مهارة لا يتلفت إليها كثير من القائمين على العمل الدعوى , فكرة الرجل الأول و الأخير الذى يرأس كل شىء و يقوم على كل شىء و دونه ينهار العمل أضحت من الخرافات , فإحرص جيدا على أن تفوض بعض المهام لمن هو دونك فى الهيكل الإدارى من باب إعداده وتدريبه , وعندما تتغيب لا تترك فريق عملك دون رأس بل صدر ذلك النائب "الوزير" مكانك ليقوم بإدارة الفريق كما كنت تقوم , و أعلم ان نجاحه هو نجاح لك فى المقام الأول فأنت من إخترته و أهلته و دربته فلا تغار من نجاحه , و لا تجعل الشيطان يوسوس فى رأسك أنه إن نجح سيزيحك ويحل محلك , فإن فعلتها فادرك جيدا أنك على خطر عظيم فراجع إخلاصك فلعل الشيطان قارب على سرقته منك دون أن تدرى .
تلك كانت خمس كنوز إدارية من قصة سيدنا موسى عليه السلام , و على الرغم من تضمن تلك القصة لعشرات الكنوز الإدارية المبهرة إلا أن المقام هنا لا يتسع لأكثر مما ذكرنا فإلتمسوا لى العذر على التقصير ,و نصيحة من أخيك الأصغر"مقاما وسنا" , من فضلك إقرأ قصة موسى من جديد بعقلية جديدة ونفسية جديدة فهى ليست مجرد قصة بل هى منهاج حياة .