وأعوذ بك من العجز وسوء الكبر..
دعوة نرددها أحياناً ولا نتعمق فى معناها المقابل، وهو دعاء الآخرين لنا بطول العمر ، فكيف لانرضى بالكبر والعجز ونحن نتمنى لبعضنا طول العمر ؟!
ويزداد خوفنا المجهول من العجز عندما نعلم بأنه ليس مجرد كبر سن أو فقدان لحركة، بل حياة كاملة نشاهدها من خلف جدران زجاجية ولانستطيع الاقتراب منها اواقتحامها ..
نشاهد آمالنا قد فات زمن الكد فى تحقيقها، وحياتنا أمست خلفنا، وطموحنا فى الحياة لايتجاوز تمني البقاء فى كل يوم تشرق فيه الشمس بألم أقل، أوتسلية لوحدتنا القاتلة.. فإذا كان كل ذلك نستطيع ان نتفهمه لعجائز ابتلاهم الدهر واصبحوا اناسا مُهملين طاعنين فى السن. لايستمع احد لكلامهم بحماس أو يهتم لمشاعرهم بصدق، فكيف نتصور نفس تلك المعاناة لشباب فى مقتبل العمر؟!
نعم هناك شباب من جيلنا ليسوا بالقلائل يعيشون نفس مرحلة بشر فى السبعين من العمر، كأنهم فى آخر الخريف وهم فى مقتبل ربيعهم، يشاهدون الحياة من بعيد ولايتذوقونها، وتموت آمالهم من قبل ان تولد، لامطلب فى حياتهم يحقق ولا تتجاوز احلامهم مسافة ابعد كثيرا عن خيال يقظتهم!
هذا هو عين العجز النفسى يصاب به ذلك الانسان الذى تتسرب الكئابة لكل حياته ولا ينطلق أبعد من امتار غرفته او مكان عمله، ومابين سريره وشاشة (نت) يضيع عمره في لاشيء حقيقي سوى مشاهدة آخرين فى تجربة حياة حقيقية غير الافتراضية او الاعتيادية مثله..هذا حاله الان بعشرينات عمره فكيف به الحال في الستين؟
لقد أصبح من السهل على الكثير منا الحياة بدون هدف كبير أو عمل حقيقى بجد وشغف وطموح، اعتدنا الجلوس على أريكة قطنية والنظر لشاشة الكمبيوتر بساعات طويلة دون هدف أوحركة، استسهلنا الملل واليأس على ان ننطلق ونجرب خوض غمار السفر والاحتكاك بمعارك الحياة والتعلم من فشلنا والمساهمة الحقيقية فى حياة آخرين..
لماذا نستسلم لكبرنا الداخلي وقتامة نفوسنا أكثر من ذلك؟ لماذا نتجمد دون أن نبرح أماكاننا المعتادة وآمننا الزائف، فلنبحث ونخض الحياة بدلا من مشاهدة غيرنا يعيش في مانتمنى نحن! لنتعلم ذاتياً اكثر مماعلمونا بجمعاتهم العقيمة، لنقرأ ونسافر ونتعرف على بشرمختلفين، لنعمل ونكسب ونستمتع، ونمرح، ونكتشف، وننجز، ونخفق، ونفشل، وننجح... لنحيا أونحاول على الاقل!
متى نتحرر من الشاشات والغرفة ذات الجدران الزجاجية التى ندفن فيها أعمارنا مثل العجائز..نعم أمور المعيشة صعبة والبلد محبطة وأحوالنا صعبة لكن ما الهدف من اليأس؟ وما ثمن عدم محاولتنا إنهاء الاحباط الفردي قبل أن نفكر فى إنهاء الاحباط العام ، لم لانبدأ جديا بتغيير انفسنا وواقع تجربة حياتنا للافضل قدر المستطاع. ان فشلنا لن يفوتنا الكثير فالاريكة باقية وجهاز الكمبيوتر سيتطور ونحن فى الستين من العمر ويمكن أن يصبح اصدقاء الفيس بوك مجسمين نستطيع مصافحتهم!
ببساطة لن تفوتك جلستك بلا أمل وعجزك عن تحقيق شيء، لانه سيأتى وقت في آخر عمرك لن تملك فيه غير ذلك ..
اما الان ان استمرينا على ذلك العجز الاختياري فستضيع كل فرص خوضنا لتجربة حياة حافلة واأم بكثير من مشاهدتنا لعدد الاعجابات بصفحتنا الشخصية ونومنا نصف اليوم وعملنا بوظيفة نكرهها وتعاملنا مع بشر تعودنا عليهم دون سواهم..
فنحن نعاني من صفات العجائز ماقبل موتهم والفارق الوحيد أننا مازلنا قادرين على البدء بالحلم وتغيير ما من الممكن ان يستعيد حياتنا فهي مازالت أمامنا وليست خلفنا مثلهم..
يكفي ان معك صحتك وعقلك، فقط انطلق وفكر وضع حلما ما، فلتحمل حقيبتك نحو مغامرة ايجاد أهداف متجددة لحياتك، هيا نركض خلف تجارب جديدة فلدينا عمر لم نعشه بعد، لنجد مانحكيه لابنائنا عن ما عشناه، لنحقق تاريخا شخصىا ورحلة نابضة بالتجربة والمعرفة والشغف، فلنترك شيخوخة قاتلة ونحيا حيث لايوجد شيء يضاهي صُنع تجربة حياة حقيقية ممكن ان يقاس بضعة ايام منها بعمر كامل لانسان آخر استسلم لعجزه فى اول عمره!
-
أميرة أبو شهبةباحثة فى الفلسفة والتاريخ
التعليقات
دمتِ ودام قلمكِ ..