حكاية قرية رع - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حكاية قرية رع

كتبه: عاطف محمود عبد العال احمد

  نشر في 25 فبراير 2020 .

لم يكن أحد يدري على المستوى المحلي أو العالمي أن تلك القرية الصغيرة التى يعمل معظم سكانها فى التجارة والزراعة، خاصة زراعة وتجفيف الطماطم، وتصديرها الي دول أوروبا، ستكون يوما ما حديث الساعة فى معظم وسائل الأعلام المحلية والعالمية. أنها قرية "بنبان" القابعة غرب نهر النيل، والتابعة لمركز دراو بمحافظة أسوان، والتى تبعد حوال 37 كيلو متر عن مدينة أسوان الشهيرة المليئة بالمعالم الأثرية الشهيرة، والسد العالي مصدر الرخاء لمصر فى الستينيات من القرن الماضي.

بنبان تلك القرية الصغيرة الهادئة التى تسطع عليها الشمس يوميا من الشرق، لا ادرى لماذا أحب دائما ان أطلق عليها اسم "قرية رع"؟ ربما لأننى أحب معاني الاسماء فى التاريخ الفرعوني، وربما لأن "رع" معروف انه هو "اله الشمس" عند قدماء المصريين و كان مقدسا لديهم، ويكثر رسمه على كثير من جدران المعابد فى أسوان. اسم "رع" يوحي لي دائما انه الأسم المناسب وأكثر واقعية من كلمة "بنبان" و التى أجهل أصلها ومعناها.

فى قرية "رع" لم يعد قرص الشمس مصدرأ للجفاف والحرارة الشديدة، بل أصبح قرصها الساطع والمشرق دوما على القرية مصدرأ للتنمية والرخاء ليس فقط لأبناء قرية "رع" بل لكوكب الارض الذى لايزال يعاني من المأسي و الكوارث التى فعلها الأنسان، وأدت الى تغير المناخ فى عالمنا، ومازلنا نحصد ثماره الضاره حتى الأن.

أتخيل دائما قرية "رع" مزارا علميا وسياحيا مثل " السد العالي" لكل المصريين والسائحين لمشاهدة أعظم مشروع للطاقة النظيفة والمستدامة على مستوى العالمي، سيكون له انعكاسات إيجابية كثيرة على المناخ والتنمية على مصر فى المستقبل القريب.

وحكايتنا اليوم بدءت أحداثها فى قرية بنبان منذ حوالي ثلاث سنوات، عندما استيقظ الحاج حافظ الجعفري، وهو رجل متيسر، يعمل فى مجال الزراعة، ويمتلك مصنع صغير لتجفيف وتعبئة الطماطم فى نفس القرية، وفى يوم ما وصل الحاج حافظ إلي منزله فوجد أبنائه وبناته: عبد الرحمن، ومنير، وشادية، وعلياء فى حالة حزن شديد. فتوقع أن يكون قد حدث مكروها للعائلة و هو خارج المنزل..

فسئلهم: ماذا حدث يا أولادي؟ لماذا يبدو الحزن على وجوههكم؟ هل حدث مكروه؟ أرجوكم أخبروني بسرعة!

فا اجاب أبنه الأكبر عبد الرحمن، وعلى وجهه مسحه من الحزن الشديد..

نعم يا أبي لقد حدث شئ سيكون وبالا سيئا علينا فى القريب العاجل، بل على أهل قريتنا أيضا، لقد قررت الحكومة أنشاء محطة طاقة شمسية ضخمة بالقرب من أرضنا التى نزرع بها طماطم، ومصنعنا الذى نقتات من خيره! - وبالطبع الدولة ستقتطع أرضنا من أجل مد الكابلات الكهربائية، وتشييد أبراج الكهرباء. لقد جاء تلك المشروع يا ابي ليقضي على رزقنا! ماذا سنفعل يا ابي؟!

ابتسم الحاج حافظ الجعفري وقال: لا تقلقوا يا اولادي من اقامة تلك المشروع العظيم فى قريتنا، هذا المشروع لان يكون ابداً وبالا سيئا علينا بل سيكون مصدر خير و رخاء لنا، ولأهل قريتنا جميعاً!

فقاطعه ابنه منير بنبرة عالية وقال: كيف يا أبي تقول ذلك؟، ولماذا أختاروا قريتنا الصغيرة لإقامة تلك المشروع، اليس لديهم اراضي شاسعة فى الصحراء شرقا وغربا، لكى يختاروا موقع أخر غير قريتنا الصغيرة الهادئة؟ هذا المشروع سيدمر قريتنا!

أبتسم الحاج حافظ الجعفري: حسنا يا منير! سؤالك منطقي، و يستحق الإجابة عليه!

منير يا ولدي العزيز: لكي تنشئ الدولة محطة توليد كهرباء تعمل بالطاقة الشمسية، فان أختيار المكان لا يتم عشوائيا، بل يتم بناء على دراسات وبحوث علمية كثيرة، ومن ثم فقد تم أختيار قرية "بنبان" لأنها الموقع الأمثل لتشييد المحطة الشمسية، فالصور التى تم التقاطها عبر وكالة ناسا الفضائية، تؤكد ان منطقة بنبان هى أكثر منطقة سطوعا للشمس ليس فى مصر فقط بل على مستوى العالم أيضا.

تدخلت شادية فى الحديث: لقد ذكرت يا ابي ان المحطة الشمسية فى قريتنا ستكون مصدرا للنماء والرخاء فى قريتنا.. كيف سيحدث ذلك؟

تنهد الحاج حافظ الجعفري وقال: ساحدثكم با استفاضة عن كل شئ عن محطة بنبان الشمسية.. ولماذا سننشئ المحطة؟ وما فوائدها؟ و الكثير من المعلومات عنها؟

لكن قبل أن أتحدث، هل من الممكن يا علياء أن تجهزى لنا أبريق من الكركدية الساخن؟.

فقالت علياء: نعم يا ابي، ساجهز لكم أبريق من الكركدية فورا.. وانصرفت شادية لتجهيز الكركدية الساخن.

بدء الحاج حافظ الجعفري حديثه وقال: أولادي، هل تتذكرون تلك الدعوة التى تلقيتها من محافظة أسوان لحضور ندوة عن تلك المشروع العظيم الذى سيقام فى قريتنا؟

فا اجاب منير وعبد الرحمن بصوت متداخل: نعم يا ابي، لكنك لم تحدثنا عن طبيعة تلك الندوة!

قال الحاج حافظ: لقد نسيت يا أولادى أن أخبركم بها لاحقا، لقد ذهبت بالفعل الى الندوة، وتحدث فيها خبراء ومهندسين عن مشروع محطة بنبان الشمسية.

أنصتوا يا اولادي جيدا: هذا المشروع العظيم سيولد طاقة كهربائية لمصر ستبلغ 1465 ميجاوات، هل تعلمون أن تلك الطاقة الكهربائية التى ستولد من تلك المحطة، ستبلغ 90% من الطاقة الكهربائية التى يتم انتاجها من السد العالي؟

فقال منير: حقا يا أبي! انا لا اصدق! أذا هي محطة طاقة كهربائية ضخمة جدا!

قال الحاج حافظ الجعفري: نعم يا منير، هو مشروع كبير جدأ، وسيقام على مساحة تبلغ 37 كيلو متر مربع، و يحتوي على 32 محطة فرعية، فقد حدثنا الخبراء فى ندوة المحافظة أن تلك المحطة الشمسية ستصبح اكبر محطة للطاقة الشمسية المتجددة، وأنها ستفوق حجماً، وانتاجاً محطة الطاقة الشمسية "نور" فى المملكة المغربية، فمحطتنا التى ستتبن فى بلدنا بنبان ستولد طاقة تقدر بـ 1465 ميجاوات بينما محطة "نور" المغربية تنتج600 ميجاوات فقط، و هو ما سيتيح فتح افاق كثيرة للتنمية فى الصحراء الغربية والشرقية، فا انتم تعلمون يا اولادي ان مصر تحتاج طاقة كهربائية أكثر، ولم يعد السد العالي قادرا على الوفاء بتلك الأحتياجات المتزايدة على الطاقة، خاصة مع أزدياد عدد السكان فى مصر، وأهميتها فى التنمية خاصة أقامة المشروعات الزراعية والصناعية فى مصر والتى تخطط لها الدولة.

فقال عبد الرحمن: ومن سيدفع أموال تشييد تلك المحطة يا أبي؟

أجاب الحاج حافظ: كما علمت يا ولدي أن تكلفة أنشاء المحطة 2 مليار دولار، وهى ممولة من مؤسسات و بنوك أجنبية، مثل البنك الدولي، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، وصندوق المناخ الأخضر الأوروبي، و سيتم تنفيذها من خلال 39 شركة تعمل فى مجال الطاقة الشمسية، وبا أحدث التكنولوجيات الحديثة فى العالم، لقد سمعت يا أولادي أن الألواح الشمسية التى ستولد الطاقة الكهربائية ستتبع وتتحرك مع قرص الشمس على مستوى اليوم، وهو ما سيجعلها ننتج طاقة أكبر، سنستفيد بها فى مشروعاتنا،و سنصدر الفائض منها الى دول افريقيا وأوروبا.

بالمناسبة يا أولادي! الم أخبركم ان أبناء جارنا العزيز عبد الحميد بركة، قد تم توظيفهم كعمال فى أحدي الشركات التى تعمل فى المشروع، فهذا المشروع سيوفر حوالي 10000 فرصة عمل لأهل أسوان جميعأ، أنه الخير يا اولادي!

تدخلت شادية فى الحديث وقالت: نعم يا ابي، انه الخير، فاولاد جارنا عبد الحميد بركة كانوا يبحثون عن أي نوع من العمل لكنهم لم يجدوا بسبب ضيق الرزق فى بلدنا، مبارك لهم جميعا! كم أنا سعيدة بتلك الخبر!

أخذ الحاج تنهيدة قصيرة، ونظر لأولاده، و قال لهم: هل تعلمون أيضا لماذا أن سعيد بهذا المشروع يا أولادي؟

فقال منير: لما يا ابي؟

أجاب الحاج حافظ: أنا سعيد لأمرين هامين، أولها أن هذا المشروع الضخم سيعمل على زيادة الطاقة النظيفة فى بلدنا، و سنمنع سنويا أكثر من 2 مليون طن من الأنبعاثات الكربونية الضارة. تخيلوا يا اولادي! أننا سنوقف ما يعادل 2 مليون طن من تلك الأنبعاثات الضارة، وكيف سيكون الأثر الإيجابي على بلدنا!

و ثانيا: أننا سنضئ الصحراء الغربية والشرقية، وسنجعلها تبدو كالنجوم الساطعة فى السماء، وسيحصل الملايين من المصريين فى تلك الصحاري على طاقة كهربائية نظيفة ومتجددة، وهو حق أصيل لهم فى عصرنا الحالي، وسيفتح افاق جديدة ومتنوعة لتسريع وتيرة التنمية المستدتامة لهؤلاء المواطنين المصريين المحرومين من نعمة وخدمات الكهرباء التى يصعب حصرها.

فقال أولاد الحاج حافظ الجعفري، سننتظر يا ابي ماذا سيحدث فى السنوات الثلاثة القادمة. و بالفعل مرت السنوات الثلاث، و أصبحنا فى عام 2000 وتحقق الحلم الكبير، وأصبحت محطة بنبان الشمسية واقعا ملموسا، ومنتجا للطاقة الكهربائية، و بدء العمل فى إتاحة الطاقة الكهربائية لجميع المواطنين المحرومين فى كل أنحاء الصحراء الغربية و الشرقية، أما الحاج حافظ الجعفري وابنائه فقد أتخذوا قرارا بتحويل منزلهم، ومصنعهم لتجفيف وتعبئة الطماطم لكي يعملا بالطاقة الشمسية. ومن يومها تحولت حكاية "قرية بنبان" الى "قصة نجاح تتناقلها الأجيال ويفتخر بها أبناء "رع"


  • 3

   نشر في 25 فبراير 2020 .

التعليقات

إيمان منذ 5 سنة
يدوم التفاؤل يارب.....
1

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا