تداول رواد مواقع التواصل مؤخرا تسجيلات كثيرة و صورا لحفلات و مشاهد رقص و تعري و اختلاط ، و كأنك في أدغال أوربا ، أو في دهاليز أمريكا ، شمالية كانت أو جنوبية أو في أي مكان آخر.

و لكنك إن أمعنت النظر و التركيز ، فستلمح أصحاب العباءات البيضاء ، و قطعة القماش على الرأس ، وصاحبات الحجاب الشرعي الأسود الضيق المائل المميل ، و الرأس المكشوف. فتتصارع التأويلات في قرارة نفسك ، مرجحا أن الأمر ربما يتعلق بإخوة و أخوات أصابتهم سهام الشيطان ، فمرقوا و لو مؤقتا من الحضارة الإسلامية و تعاليمها ، وهبت عليهم رياح الفسق ، و رست بهم بأرض الغجر.أما إذا قرأت عنوان التسجيل فتعصف بك رياح قواصف ، و ستلفحك سياط الأسى و الحسرة ، لما تنقل شبكية عينيك لدماغك القصة الكاملة للمكان و الزمان ، فلا هي ارض العم سام ، و لا ارض أخواله و لا أعمامه ، بل كل ما في الأمر أن سفينة الحضارة و الرقي قد رست بأرض الحرمين ....و أين...بالمدينة المنورة مرقد المصطفى صلوات الله و سلامه عليه.

فإلى وقت قريب كانت الأمور تسمى بمسمياتها إلى حد بعيد ، فكان ظاهر الأمر يمنع المنكرات و المحرمات ، و ما خفي لم يكن ليظهر للعلن ، بل كانت الحرمة و العفة مصانة لدرجة ما على الأقل احترمت الأعراف و اتبعت الفتاوى.

إن الحقيقة اليوم تثبت أن هيئة الترفيه التي في الواقع خلفت هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر خدمة لرؤية 2030 الثاقبة ، قد فتحت الباب على مصراعيه أمام الانحلال الخلقي و التعري و المجاهرة بالآثام ، فمن دور السينما إلى عروض الأزياء إلى تكريم السفلة و الفسقة ، وصولا في النهاية إلى الحفلات الصاخبة الماجنة و بشتى محافظات أرض الحرمين ، بلوغا لذروة استفزاز مشاعر المسلمين ، بتنظيم مهرجان يمتد لسبعة أسابيع بمدائن صالح عليه السلام ارض الحجر ، ارض العذاب التي أمر الحبيب المصطفى صلوات الله و سلامه عليه بعدم دخولها إلا والمرء غارق في العبرات و دموع الوجل و اخذ العبرة ، و إلا فالدخول ممنوع عليهم خشية أن يصيب الناس ما أصابهم ، لأنهم وقعوا في سخط الله و استعجلوا عذابه.

حديث شريف ينطبق اليوم تماما على صناع القرار في المملكة ، و من يدعون أنهم خدام للحرمين الذين يستعجلون العذاب و الخراب و النقمة مع كل نفس ، فمن تدمير حياة مسلمي اليمن إلى إفراغ الخزينة إتقاءاً لحزن ايفانكا ، إلى حصار الموحدين في قطر إلى مخططات رهيبة أخرى تُرسم خرائطها عادة في الغرف الدهماء ، و القوم منحنون مذعنون يعبدون ولي النعمة ، يكادون يصدقون انه المعني بآية إياك نعبد و إياك نستعين ، و هو يسخر منهم و يستصغرهم و يحتقرهم و يطلب منهم أن يدفعوا أكثر.... فأكثر. و بعد نهاية الحفل يستفيق العالم على وقع جحافل الجراد و الصراصير تغزو مكة في آية واضحة المعالم لعظمة الجبار ، و لتطفو إلى السطح من جديد رسائل الله عز و جل إلى فرعون بعدما علا و تجبر.

مهرجانات ارض الحرمين و فعاليات الترفيه المقامة هناك ستبقى وصمة عار على جبين من خان المقدسات ، و من يسعى لإخراج المسلمين من هويتهم الثقافية و الدينية ، إلى السم الزعاف الجاري في شرايين mbc و الملابس المحتشمة و قيم العلوم والحضارة في روتانا ، و تمايل و تراقص المغرر بهم ، من سمعوا عن الحرية فخلعوا ملابسهم و اعتقدوا أنهم قد صنفوا أخيرا مع الذين وصلوا بمكوكهم إلى قلب الخلية ، و من برهنوا للعالم أن البحرين بينهما برزخ لا يبغيان احدهما عذب فرات و الآخر ملح أجاج مالح ملوحة و خبث و عمالة من يخطط لإفراغ الأمة من الهوية و كسر العزيمة و تحقيق الانفصال الشبكي عن التاريخ و القيم و العقيدة ، و السعي لتحقيق التأقلم مع المنكر و تجريم الآمر بالمعروف وكتم نفس المعارض.. في دهاليز الظلم دون محاكمة أو جريمة تذكر.....لا بل بالجريمة المعهودة.... أنت من الإخوان !!!!! أما إذا رضيت و صفقت فأنت من المحمية في زمرة ولي الأمر..... خادم الحرمين و سيد الرعية !!!!!!!

فإذا ولي الأمر لغير أهله فانتظر الطرب ، و تسويق الفن و التعري و الخلاعة على أنها الحضارة ، و أحفظ في ذاكرتك أن أراذل القوم حوّلوا المعذبين إلى رموز للصالحين ، و المدائن قبلة للراقصين ، إرضاءاً لرؤية لا تستمد المصداقية لا من الكتاب ولا من السنة و لا حتى من زمن الفاتحين الربانيين. اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا......و حسبنا الله و نعم الوكيل.

محمد بن سنوسي

09-01-2019