معاداة المثلية.. بين تفاسير الحكماء وأغراض الحكام... - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

معاداة المثلية.. بين تفاسير الحكماء وأغراض الحكام...

دعونا نتفق أن الأصل في الأشياء هو الطبيعي منها، ويمكن تعريف "طبيعي" هنا بأنه ما يستوي مع فطرة المخلوقات وطبائع الأشياء كما تعارفت البشرية منذ البدايات الأولى..

  نشر في 06 نونبر 2022 .

معاداة المثلية.. بين تفاسير الحكماء وأغراض الحكام...


بقلم/ محمد أحمد فؤاد..!

هل هي أزمة طاحنة تعصف بالإنسانية جمعاء، ومفادها محاولة فرض الحجر القسري على العقول وإرهاب إي فكر مغاير لمزاج حكام العالم الحالي ممن يمسكون بيدهم مقاليد سلطات المنح والمنع، والتطويع والموائمة، والأمر والنهي، والخير والشر، والسنن والفروض..؟ أم هي مجرد هجمة غوغائية مستحدثة تطوف العالم لتدعي ظاهرياً أنها تهدف إلى تفعيل الحريات وقبول الأخر، لكنها تحمل في طياتها أنماط عنصرية تَكفُر بحرية الإختيار وتناطح مناهج الإستقامة والعفة، وتنتهك مبادئ الفكر الإنساني السوي المبني على تغليب العقل على الجسد، وحفظ الأخلاق والقيم..!

دعونا نتفق أن الأصل في الأشياء هو الطبيعي منها، ويمكن تعريف "طبيعي" هنا بأنه ما يستوي مع فطرة المخلوقات وطبائع الأشياء كما تعارفت عليها البشرية منذ البدايات الأولى.. أما ما هو غير ذلك من الأمور فيصنف شاذ عن المتعارف عليه في أي من الأعراف.. والشذوذ لا يجب أن يكون مصطلح مرعب أو مخجل بأي حال من الأحوال، لكنه أمر واقع وجب الإعتراف بوجوده وعدم نكرانه، بل ولابد من التعامل معه ومعالجته بشكل إنساني في المقام الأول حتى لا يساهم إختلافه في إحداث أي خلل قد يؤثر سلباً على مسارات الطبيعة الإنسانية والإجتماعية والكونية.

وبالنسبة لمصطلح المثلية، فيمكن بسهولة تصنيفه كأحد أشكال الشذوذ الجنسي، والذي يتضمن وجود مشاعر رومانسية وإنجذاب بين أفراد من نفس الجنس، هذا بالإضافة إلى إشتماله على بعض العوامل الوراثية أو البيلوجية والعوامل الإجتماعية والبيئية أيضاً.. وتميل معظم الأبحاث التي تتناول مسألة المثلية الجنسية إلى الدمج بين كل تلك العوامل من أجل الوصول إلى تفسير أكثر شمولاً لتلك الظاهرة، بالطبع مع إختلاف الحالات في ظواهرها وأعراضها.. وهناك من علماء النفس من يقول بأن المثلية الجنسية حالة غريزية ذات نمط خاص، ولا حاجة لتفسيرها على كونها مرض، أو البحث عن أسباب لها.. بل أن بعض المنظمات الحقوقية في العالم الغربي تدفع بأن المثلية أمر طبيعي جداً معلوم تاريخياً منذ القدم ولا علاقة له بالمرض، مما دفع ببعض الدول والحكومات إلى تشريع زواج المثليين بالرغم من وجود معارضات دينية وقومية عارمة لهذا التوجه التشريعي..!

يعكف حكام العالم الحاليون على إيجاد سبل غير تقليدية لحل مشكلات هي الأكثر تعقيداً، وتأتي في مقدمتها مشكلة التصاعد المرعب في الكثافة السكانية وزيادة تعداد السكان في مقابل تراجع حاد في الموارد البيئية الطبيعية التي هي اساس الحياة، كالماء والغذاء والطاقة .. وأيضاً هناك حسابات أكثر خطورة تتعلق بما أحدثه التلوث الناتج عن الصناعة والإستخدام الجائر للموارد الطبيعية من خلل بيئي ادى إلى تقلص المساحات الخضراء والجفاف والتصحر، وأدى أيضاً إلى تغير ملحوظ في طبيعة المناخ وإرتفاع درجة حرارة القشرة الأرضية..! فهل كان الحد من زيادة السكان على الكوكب يتطلب حلول لا إنسانية تخرج عن مسار الطبائع البشرية..؟ مجرد تساؤل ربما يقودنا لشئ من التفسيرات المنطقية لما يحدث حالياً من دعوة لتشريع المثلية الجنسية والإجهاض على حد سواء..!

قانون المساواة الذي يتبناه رئيس الولايات المتحدة، وما ينطوي عليه من شبهة تهديد بمعاقبة أي طبيب يتدخل لعلاج حالة لأحد مثليي الجنس ممن يعتبرونها مرضاً ويرغبون في العلاج، وإعلان رجل البيت الأبيض جو بايدن يونيو 2022 شهر فخر للمثلية في نهاية خطاب له بهذا الشأن، هو أمر جلل يبدو في ظاهره حقوقي إنساني، لكن أحسب أنه ينطوي على تمهيد شيطاني قد يؤدي إلى خلل في التصنيف البشري على المدى الطويل إذا ما تم تصديره للمجتمعات الأخرى ونشره كفكرة تقدمية تصلح للتداول، وهنا لا أستبعد عن هذا التوجه شبهة التعمد بسبب ما يصاحبه من شواهد سياسية وتوازنات قد يحتاج إليها رجل البيت الأبيض الحالي خلال معركة إنتخابات التجديد النصفي لأعضاء الكونجرس القائمة حالياً..! بالطبع لحسابات السياسة يوجد تأثير لا يمكن إغفاله، خصوصاً إذا علمنا أنه في آخر اقتراع رئاسي، كشفت الإحصائيات أن نحو تسعة ملايين ممن يحق لهم التصويت هم من المثليين، نصفهم تقريباً ينتمون للديموقراطييين، و15% ينتمون للجمهوريين و22% مستقلون.. وعن توجهات التصويت، نشرت مؤسسة "جلعاد" المنصة الأشهر للترويج الإعلامي للمثليين في العالم نتائج الإستطلاع بعد التصويت لعام 2020 للناخبين المسجلين من المثليين بأن الإقبال كان ملحوظاً على التصويت للمرشح جو بايدن على حساب منافسه دونالد ترامب بسبب موقف الأخير من تشريعات حقوق المثليين.. وربما لهذا يحتاج بايدن لكسب ود هؤلاء خصوصاً أن وضعه الإنتخابي شديد الحرج بفعل الأزمة الإقتصادية وإرتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في عصره بشكل غير مسبوق، وأيضاً هشاشة الوضع السياسي الأمريكي مقابل صعود نجم العدو التقليدي الروسي بالرغم من الحصار والأزمات، ومن خلفه الصين التي تستعدد للإنقضاض على المصالح الأمريكية في اي لحظة..!

إرهاصات لاحت في الأفق مع إعتراضات مجتمعات المثليين قبل بداية فاعليات كأس العالم لكرة القدم في قطر خلال الأسابيع المقبلة خوفاً من التضييق على حريتهم بناء على القوانين المعمول بها هناك، وقد وصلت تلك الإعتراضات إلى حد إحراج حاكم قطر نفسه إعلامياً في عدة مناسبات بسؤاله مباشرة عما إذا كانت قطر ستطبق قوانين صارمة على الحضور من المثليين وتوقع عقوبات عليهم، وقد جاء الرد دبلوماسياً مطاطاً بأن الدولة هناك تحترم الثقافات كافة وترحب بالجميع، وتتوقع الإحترام بالمثل ممن سيقومون بالزيارة لحضور فاعليات أكبر حدث رياضي تشهده المنطقة، والذي أحسبه سيكون منعطفاً فارقاً في تحديد مسار ثقافات الخليج العربي التي أظهرت مؤخراً هشاشة غير مسبوقة في محافل السياسة والدين وغيرها.. ويبقى السؤال.. هل نحن بصدد معاينة إنتحار ممنهج لقيمنا وتراثنا وإرثنا الأخلاقي أمام موجة شاذة من الحداثة ليست بالضرورة تعني أي شئ من التطور الفكري والتحضر ومواكبة العصر..؟


  • 1

  • mohamed A. Fouad
    محمد أحمد فؤاد.. كاتب حر مؤمن بحرية الفكر والمعتقد والتوجه دون أدنى إنتماء حزبي أو سياسي.. مهتم بشأن الإنسان المصري أولاً..!
   نشر في 06 نونبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا