الحريات الفردية مع وقف التنفيذ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الحريات الفردية مع وقف التنفيذ

  نشر في 31 يوليوز 2015 .

اشتد النقاش في الاواني الاخيرة حول موضوع الحريات الفردية ،و تعالت الاصوات و اختلفت ارتسامات الشباب الفايسبوكي ،و انقسمت النخب المغربية الى فرقين منهم من اصطف الى جانب الحداثييون و دعى الى اقرارها دون قيد او شرط ،مستندا على اثرها بجملة من الذرائع القانونية داعيا الدولة بإقرار الحريات الفردية و الوفاء بالتزاماتها الناتجة على توقيع المعاهدات الدولية (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) ، و آخر محافظ استلهم من المرجعية الدينية افكاره فوقف موقف المعادي لبعضها تحث دريعة مخالفتها لتقاليد شعبنا و هويته الدينية .

ان المتابع لساحة الوطنية و للوقائع التي تطفوا لسطح تبين لنا و بالملوس في كون حجم الانتهاكات كبير و ان هالة قمع الحرية الفردية تزداد عظمة ،كلما ازدادت مؤثرات التحريض و الشحن التي يقوم بها اعلامنا الذي يلعب دور المفتي في غالب الاحيان ،و بعض الشخصيات العامة التي بإمكانها التأثير في شرائح كبيرة في المجتمع ، فأساليب العنف المسلطة على الحريات الفردية معنوية كان او مادية، تقر و بشكل مباشر بفشل مشاريع مناهجنا التربوية و الاعلامية ، وعدم قدرتها على انتاج جيل قادر على تدبير الاختلاف بالنقاش و الحوار الحضاري الجاد و البناء ،فمنظومتنا التربوية مبنية على اساس قيم الاتباع و التقليد ومعاداة فكرة الحرية، الى جانب رفضها لفكرة ادراج الثقافة الجنسية وسيرها على منوال القطيعة مع الثقافة الحقوقية و الانفتاح الفكري .

ان المشكل ليس في التعارض المفترض بين مفهوم الحرية الفردية و الهوية المغربية كما يدعي البعض ، بل في عدم قدرة الدولة وهياكلها الادارية في توفير وعاء سليم لتنزيل نقاش الحريات على ارض الواقع ،ان الوضع الاجتماعي المتسم بالانغلاق و الجمود ،لن يتسامح مع الحريات ما لم يفهما لأنه يرى انها ستقوم لا مفر في دحض قيمه و القضاء عليها ،فمعركة النخب بعيدة كل البعد عن فهم المواطن البسيط للحريات .

فالمواطن المغربي يعلم بان العلاقات الجنسية خارجة اطار الزواج قائمة ،و ان المثلية الجنسية موجودة ، كما يعلم بان هناك مغاربة غير متدينين او حتى ملحدين او متدينين لدين اخر غير الاسلام ، كل هذا يعلم بحدوته، لكنه لا يسمح لها بالظهور في العلن ارضاء لضميره و اراحة لباله في اعتقاده .

ان وضع الحريات الفردية و العامة يمكن اختزالها في كونها في حالة انكماش دائم لداك الهامش الذي تغنت به النخب لعقود خلت ، فإشكالية الحريات اكبر بكثير من الصراع الدائر بين العلمانيين و المحافظين ،لعل ابرزها غياب مفهوم الفرد في الثقافة الاجتماعية السائدة، اضافة الى سيادة الفكر الماضوي المتخلف المرتبط بعهود القبيلة و البعيد كل البعد عن التمدن .

لقد راقصت النخب المغربية ولعهود خلت على انغام التعدد الهوياتي وتنوع التركبة الاجتماعية لسكان المغرب ، و اعتبرته عاملا محفزا لنقاش لكنه في حقيقة الامر لم يلعب اي دور الى حدود الان ، ان صح التعبير لم يتم استثماره لحصد المكاسب، فسيادة الفكر المتعصب المنحدر من فكرة الانتماء للعرق و فكرة انا الجمعي هو الارقى تستمد توجدها ووجودها و استمرارها من الوعي المزيف الذي ساعدت في ترسيخه طرق تدبير الاختلاف بين النخب .

من نتائج هذا الطرح الاقصائي الذي يرى في الاخر المختلف او المتدين لدين غير دينها او المنادي للحصول على حرياته والمدافع على اختياراته في الملبس ، عدم الاقرار بإنسانيته واعتباره من الغير المهدد للكينونة الاجتماعية و الاستقرار الوطني ،يسمح لها هذا بلا شك في عدم تقبل عيشه ضمن اوساطها ،فينتشر الفكر الاقصائي و التكفيري والتخويني الذي يقتات على شخصنة النقاش ( اترضاه لامك او لأختك ،انت عبيد الغرب ) ،هذا المنطق الغير العلمي يقف دائما عتبة امام اسمرار النقاش كلما تقدم للأمام نجده في نقطة البداية من جديد.

فالمنطق الذي يثار به نقاش الحريات الفردية في المغرب ،والذي ينطلق من ثنائية دغدغة المشاعر وتجيش الملايين من المريدين ليس بمنطلق حضاري، لا يمكن لصاحب العدد الكبير و الخطابي الاول ان يلوح بانه انتصر و حسم معركة الحريات في شوطها الاول لكونه في الاساس لم يبارز ،بل طالب بتأجيل التحكيم فيها ليس الا .

ان الهزات العنيفة التي يعيش على واقعها المجتمع المغربي كلما فتح الحداثيون النقاش حول الحريات الفردية لن تنتهي ما لم يبت و بشكل صريح في موضوعاته، فمعركة الحريات الفردية ستبقى ملازمة لنا على طول الخط ،فهي غير مرتبطة بحادثة التنورة ...بل هي نقاش و مخاض عسير نجد فيه انفسنا امام حقيقة صادمة ،حقيقة انتهاك الحقوق و الحريات ،في خرق صريح لضمانات المكفولة بمقتضى المواثيق الدولية .



   نشر في 31 يوليوز 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا