الصَّــــهَــدُ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الصَّــــهَــدُ

  نشر في 10 غشت 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

محمــد القــنــور

يتجول الصَّهَدُ في مراكش، حرا طليقا ،من أذناه إلى أقصاه ، يدخل أينما يشاء، وقت مايشاء، بكل إقتدار وفي حضور مميز، مرفوع الرأس ، منتصب القامة يمشي ، في وجهه لهيب بركان ، مشرئب العنق نحو الأجساد والنفوس والعقول التي يصهدها صهدا، يدخل الإدارات العمومية ومؤسسات الخواص، ويخترق إلى المنازل والمعاهد الصيفية والمطاعم و أوراش البناء والمصانع والمكاتب ودكاكين الحرفيين والأسواق الممتازة والأخرى الشعبية والمقاولات والمستوصفات والأبناك دون أن يقرع أبوابها أو يستأذن في الدخول، متحديا صوت المكيفات المترنحة، والشاحنات المحملة بالمياه والعصائر .

يتمدد مثل قطة متكاسلة في الحدائق وفي المراتع وداخل مناطق الظل،وعلى زجاج النوافذ وعلى حافات المسابح ، وفوق طاولات المقاهي، وبين الدقيقة والدقيقة يرفع وثيرته بالغليان، ويطلق ضحكاته ساخرا من مقاومة المكيفات والثلاجات ومروحيات الهواء وباعة "الآيس كريم" والمرطبات.

يتمدد مثل قطة متكاسلة في الحدائق وفي المراتع وداخل مناطق الظل،وعلى زجاج النوافذ

يتفجج الصَّهَدُ في كل الفجاج العميقة والمكشوفة وبين العمارات وداخل الأسواق بكل إقتدار وإحترافية، مدعوما بأوراق هويته التبوثية الحمراء والصفراء ، وبطاقة تعريفه الحرارية الحاملة للأرقام التي تتجاوز الأربعين درجة مئوية، والتي يشهرها في وجه كل من تسول له نفسه أدنى إحتجاج أو أقل إستنكار أو حتى مداعبة ، يعانقك في مراكش كلما هممت بالخروج، يستقبلك بحرارة مفرطة في الحافلة وعلى أريكة الطاكسيات، وداخل عربات القطار وفوق السطوح وتحت المظلات الشمسية ، وبين أرجاء المكتبات والمواعيد والمستشفيات، وفي أعماق البروق والرعود الآتية بأمطار الصيف العابرة .

قال صديقي وهو يحاورني أن الصَّهَدُ في رأي النحاة واللغويين من صهَدَ يَصهَد ، صَهْدًا وصَهَدًا وصَهَدانًا ، فهو صاهِد ، والمفعول مَصْهود، قلت لصديقي وأنا أحاوره ؟ لا نريد إشتقاقا لغويا، وإنما قنينة ماء زلال بارد نطفئ به ، عطش هذا الصهد الذي هو من صهَدَ يَصهَد ، صَهْدًا وصَهَدًا وصَهَدانًا ...

يتربص الصَّهَدُ في مراكش منذ الساعات الأولى من كل فجر بالعباد والبلاد مثل ثعلب ماكر في خم دجاج، ليتحول إلى أسد مزمجر هادر في الظهيرة، يتصبب له طالعو أدراج العمارات وسائقو الطاكسيات الصغيرة والكبيرة ، والحمالون والعمال والأطفال والمسنين والفلاحين عرقا وجهدا، وقبل أن يرفع إيقاعه نحو الغروب مثل سيمفونية مسترسلة ، وكأنه ينفذ نصائح الشمس والدته المحترمة ، وهي تختفي في أقصى غرب الأفق، في أن لايتركنا - جزاه الله - ولو للحظة .

ومن أكثر الكائنات إندماجا مع الصهد ، وإبتهاجا بطول إقامته ، وخوفا في أن يحزم حقائبه ويرحل ، أرباب شركات المياه المعدنية، والسلاحف الكبيرة في الشعب المرجانية وصناع المشروبات وباعة المثلجات، وثعابين البراري وعواطف العشاق والزواحف الصغيرة وبخاخات العطور والسياح القادمون من بلدان الصقيع و مصلحو مكيفات الهواء،والثلاجات و "الݣرابة" في ساحة جامع الفنا، والسباحون ، ورواد صالات الرياضة المحاربين للسمنة والوزن الزائد ...وحراس الليل في المباني والمنشئات، لقصر ساعات الظلام وأصحاب المسابح ومطربو الأعراس ومتعهدو الحفلات وتجار الشواطئ ...


  • 1

   نشر في 10 غشت 2015  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !


مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا