أخبار على مدار الأيام ال تم تداولها و ربما رأيت أنه ربما تكون مدخل لشئ جديد – أعتقد – أنه قابل للتطور خلال الفترات القادمة ، و الأكيد أنها تمهد طريقة جديدة لتداول الأمور بين الدول الكبرى حول العالم .
الخبر الأول : كان حضور رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى إلى قمة الدول الخليجية بالمنامة .. كأول أمرأة تحضر إلى هذه القمة ، مع إعلان ماى عن الفترة القادمة هى مرحلة تعاون أكبر و أوسع و شراكة أكثر متانة بين بريطانيا و الخليج فى مرحلة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى .
الخبر الثانى : كان اعلان المؤسسات الاستخباراتية فى الولايات المتحدة بشكل رسمى ، ضلوع روسيا الاتحادية فى عملية اختراق لموقع مدير الحملة الانتخابية للمرشحة الديمقراطية الخاسرة هيلارى كلينتون ، إضافة لموقع الحزب الجمهورى ، و ذلك بهدف نشر الوثائق التى تم تسريبها فى الأيام الأخير قبل الانتخابات الرئاسية ، كنوع من التلاعب فى الانتخابات الرئاسية دعما للمرشح دونالد ترامب الذى أصبح الآن بحكم الانتخابات الرئيس المنتخب للولايات المتحدة ، و الرئيس ال45 بداية من 20 يناير القادم .
الخبر الثالث : هو اللغة شديدة اللهجة المتداولة بين الولايات المتحدة و الصين بسبب الغواصة الأمريكية التى قامت الصين باحتجازها بشكل غير مفهوم .. علاوة على العلاقات التى تبدوا أنها ستبدأ متوترة بين الرئيس الأمريكى القادم دونالد ترامب و الصين .. بسبب المحادثة الهاتفية بين رئيسة تايوان و ترامب .. و التى أعتبرتها الصين نوع من التجاوز و الاخلال بمبدأ الصين الموحدة الذى تنتهجه .
دعونا أولا نتفق أنه ليس غرضى من كتابة هذا المقال هو مناقشة تلك الأخبار أو الدخول فى تفاصيلها بشكل كبير .
لكنى أود أن أطرح سؤالاً : " هل لاحظ أحد أن هناك تغيرا غريباً فى اللهجة بين الدول الكبرى و بعضها البعض ؟ "
دعونا نقر و نتفق على عدة أمور منها ، أننا نمر بمرحلة جديدة و متغيرة ، تختلف فيها كثيرا الملامح عن ذى قبل ، ربما حتى فى اللغة الكلام .
منذ زمن طويل لم تصل حدة الاتهامات فى الولايات المتحدة و روسيا إلى هذا القدر ، و لم تصل الصراحة و العلانية فى توجيه الاتهامات إلى هذا الشكل و أيضا ً.
و لكن الشئ المثير للإستغراب أن الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب و الرئيس الروسى الحالى فلاديمير بوتين يبدو أنهم على توافق بخصوص بعض الرؤى و القضايا .
و بين هذا الخلاف الحاد و بين التوافق المرتقب ، من يستطيع أن يصنع المعادلة التى تحوى كل هذه المتغيرات .
و على الصعيد الآخر فهل تيريزا ماى تطمح فى دور أكبر لبريطانيا خارج اطارها التقليدى ، و هل جاءت تيريزا ماى لتطرح نفسها على الخليج كبديلاً للولايات المتحدة فى مسائل الحماية و الدفاع فى ظل الخلاف الواضح بين الخليج و ترامب ، و بالذات مع السعودية التى ستحتاج لوقت طويل لصياغة علاقتها مع إدارة الرئيس الجديد.
و ربما هذا الدور الذى تريد أن تلعبه ماى تعيد صياغة الأهداف البريطانية ، فبريطانيا تود أن تقول للعالم أن مرحلة ما بعد الاتحاد الأوروبى ستكون بريطانيا دولة أكبر و أقوى و أهم و أقدر على لعب دور أهم فى العالم ، و أن الأمر لن يقتصر على تجربة اقتصادية ناجحة فى النجاة من أزمات اقتصادية ، و لكن صناعة كيان عملاق بكل ما يحتويه من جوانب .
و ربما هذا ينقلنا إلى ترجيح آخر و هو أن العلاقات الشخصية التى ستجم زعيمين عالميين بحجم ترامب و ماى لن تكون فى شكلها الأمثل حتى و لو تناغمت سياسات البلدين و حوتها الشعارات السياسية الرومانسية التى لا طالما اتسمت بها العلاقات الأمريكية – البريطانية .
و لكن القضية الأهم فى نظرى ، فكرة الصين و علاقاتها بالولايات المتحدة ، فالتراشق الناتج عن سرقة الغواصة الأمريكية من قبل الصين و قبله الناتج عن محادثة ترامب و رئيسة تايوان .
ثم تصريح ترامب بأن العلاقات التجارية بين الصين و الولايات المتحدة بانه يجب أن يشوبها بعض التنازلات من قبل الصين ، حتى يستمر اعتراف الولايات المتحدة بمبدأ وحدة الأراضى الصينية ، و الذى لا طالما تمسكت به الصين فى علاقاتها مع الدول .
و هذا يجعلنا نتوقع بأنه ربما تزداد الضغوط بين البلدين و تستمر معها سياسات لى الذراع بشكل أكبر من الذى عرفاه و ربما على الملأ و العلن ، و سيتحول الأمر إلى مواجهة بين رجل أعمال قدير بحجم ترامب تتجه إدارته بشكل عام لتحقيق أكبر مصلحة ممكنة و بين الصين و هى أكبر تاجر شنطة فى العالم .
و لكن المثير حقا فى تلك اللعبة- إن حدثت -أننا ربما نرى تحولات نوعية فى اتجاه النظام التجارى العالمى ، بل إننى حتى عندما فكرت فى الموضوع وجدت أن الأمر – قد – يتحول نحو دفة عودة أسعار النفط إلى سابق عهدها و أن يشهد ارتفاعات كبيرة ، كنوع من المضايقات على الصناعة فى الصين و التى تحتاج إلى كميات كبيرة من واردات البترول .
ثم إننى أطلب منكم أن تعذرونى عندما قررت العودة إلى روسيا مرة أخرى فى الحديث ، و لكن هناك شئ مهم يسترعى الانتباه ، و هو اللهجة الروسية الجديدة ، اليوم روسيا و بكل قوة تدعم نظام الرئيس بشار الأسد فى سوريا و قدمت له دعماً نوعيا ساعده فى تقدماته المتلاحقة فى معارك حلب ، و ربما استطاعت ايقاف تركيا عند حدود معينة فى التدخل فى المسألة السورية .
و ربما فإنها تود أن تشارك فى لعبة الطاقة التى صار السباق عليها فى أعلى درجاته ففى الوقت الذى تسعى فيه الولايات المتحدة للسيطرة على النفط ، فإن روسيا تسعى للحفاظ على على أكبر قدر من أنصبة الغاز الطبيعى تحت سيطرتها ، فهى تود أن تنقل الغاز الروسى عبر تركيا إلى أوروبا ، و كذلك الحال فإنها تقوم بعمليات تنسيق موسعة حول عملية تصدير الغاز مع أذربيجان ، و أخير فإنها قد أشترت جزء مهم من نصيب شركة إينى الإيطالية فى حقل " ظهر " للغاز الطبيعى فى مصر الموجود بالبحر المتوسط ، و ربما يكون هناك دورا مستقبليا ً آخر تلعبه مع قبرص .
و أمام كل تلك الطموحات الجديدة و المتطورة ، و التى تحتاج وسائل متداخلة فى تنفيذها ، تبقى السياسة تلعب بشك عنيف للغاية ، فى حرب تكسير عظام شديدة للغاية ، و كل هذا تدعمه وسائل التطور فى التكنولوجيا عبر مجالات كثيرة و كل يلعب فى هذا الملعب طالبا تحقيق أكبر مكسب ممكن ، و كل أيضا ً يبحث عن ساحة لإبراز مدى تطوره العسكرى و قدرته على الحسم على أرض الحرب ، إن حلت يوما .
و لكن كل ذلك يوصلنا لنتائج مهمة، أولاً أن فكرة قيام حرب عالمية جديدة على الأقل فى المستقبل القريب مستبعدة عملا بمبدأ الاستعداد للحرب ينفى وقوعها من الأساس ، ثانيا ً أن السباق رغم انه حامى و يستدعى الشغف و الإثارة ، إلا أنه مازال أمامه مراحل كثير من التطور و العالم مازال أمامه الكثير ليقدمه فى مجالات الاستثمار فى التكنولوجيا ، ثالثا البؤر المشتعلة فى العالم – و هى ملاعب خلفية للدول الكبرى – لن يتم حسم الصراع فيها أو إدخالها فى عمية من الاستقرار ، لأنها مرتبطة بمصالح كبرى لدول كثير مازالت تيغ أهدافها و تتفاوض على أوضاعها المستقبلية فى المرحلة المقبلة و إمكانية أن تحصل على نصيب من الكعكة و فى المقام الأول تقف سوريا و ليبيا كنموذج مهم لهذه المصالح .
و لكنى هناك سؤال ملح يطرأ على هذا كله " أين دولة بحجم اليابان من هذا كله ؟ "
و هنا أود عن أحكى عن شئ لفت انتباهى ، و هو عندما ذهبت للتقديم على دورة لتعلم اللغة اليابنية بالمؤسسة اليابانية فى ميدان التحرير بالقاهرة ، لفت انتباهى فى غرفة الانتظار شئ مهم للغاية ، و هو وجود خريطة للعالم مكتوبة باللغة اليابانية ،و لكن ليس هذا المهم ، المهم أن الخريطة كانت بالمعكوس حيث انها صورت آسيا تقع فى منتصف العالم ، و فى منتصف الخريطة توجد اليابان ، و على أطراف الخريطة توجد قارة أفريقيا و الأمريكتين و أوروبا .
و كأن المغزى المطلوب إرساله ، هو أن اليابان تريد أن تنفى عن نفسها أنها دولة بعيدة للغاية تقع فى أقصى العالم فى الطرف الآخر منه و أنها دولة بعيد ، بل هى دول تتوسط العالم و توجد فى قلبه و تتطل على كل الأطراف الأخرى للعالم ، حتى أنك تستطيع أن تلاحظ أن الشرق الأوسط على الخريطة العالمية المعروفة يقع على تلك الخريطة فى موقع منطقة المحيط الأطلسى ، فى الخريطة العادية .
و لكن هل اليابان فعلا تعبر بالشكل المطلوب عن نفسها بناء على أنها دولة – طبقا لما تقول – تتوسط العالم ، فهى دولة رغم اتزان مواقفها و هدوءها فى التعامل ، إلا أنه تبقى فى موقف على المتفرج فى كل القضايا العالمية ، و هنا أود الإشارة إلى أن الناتج القومى الإجمالى لليابان فى عام 2014 وفقا لصندوق النقد الدولى و البنك الدولى كان مقدرا ب ( 4,602,367) " مليون دولار أمريكى " أى تقريبا حوالى ( 4.6 ) تريليون دولار أمريكى ، و هذا رقم ضخم للغاية ، و مع ذلك لا يوجد تعبير سياسى مناسب عنه ، هل معقول هذه الدولة ذات الاقتصاد الضخم الذى يخدم على 127 مليون نسمة ، و لديها اقتصاد قائم على مصالح تجارية حول العالم ، و صناعة تغزو كل بيت فى العالم من سيارات إلى أجهزة منزلية ، إلى شركات مقاولات و انشاءات حول العالم ، لا يكون لها دبلوماسية قوية مثل نظيرتها الصينية أو الروسية أو الألمانية تعبر عنها و عن مواقفها ، هل يمكن لدولة بهذا الحجم لا يكون لها مواقف و مرجعيات ثابتة إزاء القضايا الدولية بشكل أكثر وضوحا و تأثيرا ً ؟
هل من المعقول أن لا يكون لليابان أوراق ساسية ذات ضغط أكبر فى تلك اللعبة الكبيرة ؟
هل يعقل أن يكون موقفها تجاه قضايا كبرى فى العالم مثل القضية الفلسطينية و المسائل السورية و الليبية ، مجرد شعارات مطاطة ليس لها معنى أو تأثير واضح ؟
مع أن اليابان تستطيع أن تقدم حلولا ً و أطروحات منطقية تستطيع أن توائم جميع الأطراف ، أيضاً هى يجب أن يكون لها قرار فى فكرة إدارة ملف الطاقة حول هذا العالم .
و أعتقد أن هذا العالم بمجريات أموره الكثيرة ، لن يتناسب مع اليابان أن تظل تعمل بنفس وتيرتها الحالية فى تعاملها مع الأمور .
و فى النهاية أود أن أضيف تعليقا ً ، و هو أن هذه المرحلة هى ربما الأكثر استقطاباً منذ فترة طويلة ، فلأول مرة نحن أمام رئيس أمريكى يعبر عن هويته بكل هذا الوضح و تلك الصراحة ، و فى نفس الوقت فإن تيريزا ماى تريد أن تبحر بسرعة أكبر ببلادها و اقتصادها من بحر المخاطر إلى محيط الأمان الملئ بفرص جديدة لإقتصاد بلادها ، و هناك فى فرنسا توجد مارى لوبان و التى تحارب بكل ضراوة و قوة للوصول لرئاسة فرنسا لتشكل ثلاثى مع بوتين فى روسيا و ترامب فى الولايات المتحدة ، و كل هؤلاء لديهم موقف صارم للغاية من قضايا الحرب على الإرهاب ، و فى القريب ربما تكون المستشارة أنجيلا ميركل خارج الحكم فى بلادها ، و من المؤكد أن خليفتها سيكون أكثر حزما تجاه قضايا الإرهاب و التطرف و الهجرة و اللاجئين ، و فى آسيا نفس الحال حيث قرر كل من رئيس الوزراء اليابانى تشينزو أبى و نظيره الهندى ناريندرا مودى أن يشكلوا ثنائى عمل ضد الصين و باكستان ، و ربما هناك الاحتقان الهندى الباكسانى أصبح ملعب جديد للخلافات اليابنية الصينية و بشكل مختلف للغاية .
و أود أن أختم بسؤال
" كيف ستتم إدارة ملف الإرهاب وسط هذا كله ؟ و هل ربما الإرهاب هو نفسه جزء من المصالح العاملة على خدمة تلك التحركات الجديدة ؟ " .....
التعليقات
أمر سيء للغاية ألا نجد للدول العربية دور كبير في هذا العالم الجديد الذي يتشكل .