ليت الكلمات تُعَبِّر - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ليت الكلمات تُعَبِّر

  نشر في 30 يونيو 2020 .

كآخر البحّارة الذين خاضوا غمار التجارب و مخروا العباب، و إنتهى بهم المطاف على رمال الشواطئ يآنسون الوحشة و تعانقهم العُزلة؛ لا الزمن قادر على أن يعيدهم لمجدهم و لا الحاضر راضٍ بوجودهم...!!

قد ما كان يدور بخاطري أن أشاهد وحشية هذا العالم و أنانيته، لا أحد يعنيه الآخر؛ الكل يبحث عن متعته، عن ما يهمه و يرضيه و لو أضرّ بالعالم أجمع، أين ملامح الجمال الفاتنة التي كانت تبهر القلوب حتى تَرِّقُ مِن فَرطِ دهشتها؟ هل نمضي نحو النهايات من كل شئ.. ؟!!

طوبى للذين يعيشون على حوّافِ كل شئ؛ يبكيهم مشهد إنساني حتى و إن كانوا لا يعرفون صاحبه، يكفيهم القليل من الطعام و الشراب، يبتسمون كالأطفال لأبسط الأسباب، و يبكون في نشرات الأخبار إن شاهدوا أمٌ ثكلى أو حرب قد مرّت ببلادٍ من بلاد الله الواسعة، يكفيهم كوب قهوة ليعتدل مزاجهم أو سمعوا صوت صديق، يقابلون الحياة بصدرٍ مفتوح دون أن يخشوا قدرها...!!

ما الذي حدث فعلاً...؟!!

هل تغيّر العالم بين ليلة و ضحاها و إستيقظنا كأهل الكهف نسأل ( كم لبثنا) ؟ أم أن الزمن قد تحاوزنا و هو يتفق مع إنشتاين و يطبق نظريته النسبية فسافر للمستقبل و تركنا خلفه نعاني (نوستالجيا) الحاضر و نتباكى على زمنٍ لا ندري إن كان جميلاً أم أن قٌبح اللحظة جَمّله؟

ليت الكلمات تُعبّر...!!

ليتها توازي الإحساس؛ لنخرج كل هذا الطوفان الذي يندفع بالداخل، لنخرج من دوامة الكتمان المميت إلى رحابة الشهيق الأكبر، و نزيح عن صدورنا هذا الذي يغلي و يزمجر. كيف فقدت الأشياء طعمها فجأة و تحولت و تبدلت مناظرها المريحة إلى مشاهد مكرورة مملة و رتيبة خالية من كل شئ...

ما عاد للشاي طعمه الذي يتقسم متعةً على براعم التذوق في اللسان فيتسرب كالدواء في الوريد، فينتشر حتى بُصيلات الشَعر، ليخلق متعةً تتعدى طعم السكر في مشروبٍ دافيء.

لم تَعُد جلسات الصفاء الذاتي تجدي، تلك التي كنت إن جلستها بين نفسك كانت لتدور حول أصدقائك و زملائك و أهلك و تلك الفاتنة التي يخفق لها قلبك و إن حاصرتك الأنانية حولتها للتفكير في المستقبل و خططك القادمة و أحلامك، أضحت شئ من العذاب بفعل الذاكرة و الزمان.

حتى الكتب... متعتك الوحيدة التي كنت ترسم حروفها حرفاً حرفاً و تعيش قصصها بين جوانحك و تستطعمها كمن يتذوق طعماً شهياً و يتناوله ببطء مخافة أن ينتهي، ما عادت تلك التي كانت؛ أضحت شيئاً آخراً أنت لا تدري ما هو، لا الكلمات تُعبّر عنك، و لا الجُمَل تَمِسّك، و لا العبارات تشبهك، أضحت مجرد سطور محشوة بكلمات بالحبر الأسود كجيش من النمل على بقعة ضوء.. و أنت لا تدري هل السبب يكمن فيك أم في العالم مِن حولك.

ما الذي أصابني...؟

ربما تكرر هذا السؤال مرات عديدة و أنت تجلس وحيداً بين الحين و الآخر؟ هناك شئٌ ليس على ما يرام؛ و لكنك لا تعرف ما هو ...!! و هذا يسبب لك الإزعاج و ربما الإكتئاب بحد ذاته. أنت توقن بأن هناك شئٌ ما لم يعد كما هو، هناك شئٌ غير مريح ..!!

و لكن ما ذلك الشئ...؟!!

لماذا لم يُعد أحد يهتم بك؟ هل تغيروا أم حدث لهم شئ أم تخلوا عنك؟ لماذا لم تَعُد تأتيك تلك الرسائل المُفرِحة؛ الرسائل التي تشعر أنها تخصك وحدك دون العالمين؛ ليست مثل رسائل اليوم التي تشعر و كأنها ( رسالة جماعية) قد وصلتك ضمن الذين شملهم الخطاب الجمعي؛ لم يجتهد أحد ليكتب لك رسالةً تخصك وحدك!! حتى هذا الشئ البسيط و المجاني لم يكلفوا أنفسهم عناء فعله...!

حاولت مراراً أن تفعل شيئاً مختلفاً يخرجك من هذا الشعور، أو إن أردت قُل يُخرِج منك هذا الشعور، فطفت على كل تطبيقات مواقع التواصل الإجتماعي، و كررن فتحها برتابة دون أن تجد شئ سوى مزيد من الأخبار السلبية و الكلمات المنسوخة، شاهدت التلفاز فأصبت بالغثيان من الإعلانات الركيكة و المتكررة الفكرة و الأخبار التي لا تنفك تعاد بين الحين و الحين، فتحت هاتفك مجدداً، قلبت صورك القديمة.. إرتسم على وجهك شبح إبتسامةٍ بعيدة و أنت تقارن بينك و بين نفسك في حالتك الماضية و الآن، تتأمل وجوه الذين جمعتك بهم تلك اللقطات و تحاول أن تستدعي المواقف و المشاهد في تلك اللحظة ثم تقلبها جميعاً و تغلق هاتفك في ملل بعد ان داهمك ذات الشعور الغريب...!!

شعورٌ يشبه الفقد؛ كأنك تفتقد أحد ما، و لكنك لا تتذكر شخص بعينه هذه اللحظة و هو الذي تفتقده، أو قُل شعور ما، يشبه كثير من الأشياء التي لا تستطيع أن تعبر عنها.

شعورٌ يشبه الإشتياق، هل قُلت الإشتياق ..؟ و لكن الإشتياق لمن و لماذا؟ هذا السؤال أيضاً أنت لا تستطيع الإجابة عليه لأنك لا تعرف إن كان فعلاً شوق أم لا؟

ربما يشابه الحاجة للبكاء لتفريغ الطاقة السلبية، شعور يشبه حوجتك لتصرخ ملء ما تملك من قوة لتخرج كل هذا الذي بداخلك، ليست تلك الفكرة...

يا ربي.. ما هذه الحيرة...؟

ليت الكلمات تُعبّر...!!

لتقول ما الذي تشعر به بالضبط لتحكي و لو لنفسك ماذا تحتاج و ما الذي يجب أن تفعله؟

ربما ذلك الشعور هو مزيج من ما ذكرت :

إفتقاد، شوقٌ، وحشة، و حاجة للبكاء و لكنه شوقٌ لنفسك القديمة، و إفتقادٌ لها و لأيامها التي تعرفها و وحشة لذاتك التي تغربت و بكاء على كل الذي مر بك دون أن تعرف و ...و ...و ...

كل هذا لا يُعبّر ...

لماذا الشعور دائماً أكبر من التعبير؟

ليت الكلمات تُعبِر ..!!



   نشر في 30 يونيو 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا