نُشر في العام الماضي أربعة ٌ وسبعون ألفَ كتاب في إيران.

والسؤال هو كم كانت حصة الأهوازيين من هذا الرقم الضخم؟!

المفروض أن تكون 10 بالمئة على أقل تقدير، أي سبعة ُ آلاف وأربع مئة كتاب.

ونحن راضون بأقل من نصفها، أي ثلاثةِ آلاف، بل بألف.

لكنها لم تكن إلا بتعداد أصابع اليد أو أقل منها... وهذه كارثة.

وأسباب هذه الكارثةِ متعددةٌ يعلمها الكثير منكم، أذكر منها ما قد نستطيع معالجتَه:

أيها السادة والسيدات، إن كنتم حريصين على أن تُسرعَ عجلةُ أدبنا بالدوران، ادعموا الكتاب العربيَ الذي ينشر في الأهواز.

ادعموه قبل نشره وبعد نشره...قبل نشره بالاشتراك في تكلفة صدوره؛ وبعد نشره بشرائه.

وكنت أتساءل ماذا أصابنا ننفق على الأمور التافهة الملايين، ونمسك عن سعر كتاب وقد لا يتجاوز مئة ألف ريال أو مئتين.

وإن لم يتوفر الدعم، فكيف يستمر الكاتب أو الشاعر في إصدار كتبه أو دواوينه؟

لماذا هذا الديوان هو أول ديوان سيد حسن الشريفي؟

وأين دواوين حسن عاشور؟

أو أين ديوان سيد سعيد الشريفي؟

أو محمد الشويكي؟

أو أين ديوان المرحوم طاهر السلامي؟

أو بقية شعرائنا الشعبيين وما أكثرهم!

المشكلة الثانية، لماذا ليس لدينا معرض للكتاب؟! وأعني معرضا ثابتا طوال السنة.

أين تكمن العقبات ولماذا شبابنا لا يهتمون بهذا المشروع المهم؟

ولا ننسى أن هناك مساحةً ولو إنها ضيقةٌ لكننا لا نستثمرها ولا نقوم بحرثها.

وخير مثال هو معرض الكتب الذي أقامه الصديق ميلاد أبو عمران.. ولو إني ألوم الأخوة والأخوات الذين لم يزوروا المعرض.

كما ألوم الذين زاروه ولم يدعموه بشراء حتى كتاب واحد.

وأما ديوان بنات الغيم والذي اجتمعنا من أجله وقد نشر باللغة الدارجة ...

أبارك لنفسي ولسيد حسن وللساحة الأدبية صدورَ ديوان بنات الغيم.

قلت لنفسي لأقرأ بعض قصائد ديوان بنات الغيم، ولكن القصائد استدرجتني وإذا بي أقرأه كله.

وجدت في هذا الديوانِ أن سيد حسن لم يسجن نفسه في دائرة المدح المذموم، أو الطائفية البغيضة، أو القبلية المقيتة.

بل جاء ينشد عن الحرمان الذي تعرض له الشعب منذ عقود، وعن الحرية والحب والوطن، فيقول:

يمه كل اسلال اهلنا انباگن وناطور گاعک بالحبس مهدود حيله

يمه حتى احروف اسمك بدلوهن

ويقول في قصيدة أخرى:

يا حسن لون الضباب ايكدر وجوه المشاعر

وانت شاعر ... شاعر وعندك وطن مخنوگ صوته

وطن عاش اسنينه لوعة واهله موته

عندما تتصفح بنات الغيم تلامس رقة الكلمات ومعنى الشعر:

في قصيدة مناجاة مع الشط ( والحقيقة حزني على نهرنا المسروق طويل)

يقول سيد حسين وهو يتذكر كارون حين كان ماؤه غَدِقا:

يا شط يا أمس يا خير تذكرني؟

وحين يشكو قلة مائه ويطلب منه أن يمتلأ ويعيد الحياة إلى أهله فيقول:

مد اذراعك الهاي السفينة أرجوك واحضنها

وحين يوصف الطول، لا يستخدم الأوصاف المستهلكة مثل (يالطولج نبع ريحان) بل يقول:

نهر طولك خذه اعيوني

خذاهن والجروف ابعاد ما توصلهن اسنيني

تفوي اشلون وانت امواجك تغرگ ثلاثيني

من نقاط القوة في ديوان بنات الغيم وجودُ عنوان لكل قصيدة،

أعتقد اختيار العنوان في القصيدة ليس بالأمر السهل، وقد اختارها سيد حسن بتقنية، عناوين لامعة وبراقة تليق بقصائده الجميلة.

وخذ مثلا:

بنات الغيم، طفلة دموعي، عباية شوگ، همسة ضمير، گمرة شعر.

وإن دخلت روضة هذا الديوان الجميل وأردت أن تقطف باقة من أزهاره العطرة إليك بعضُ النماذج:

1. تمشي ومسرع بحزنك ... گلی يا فرحة تلحگک

2. أعمر بوجهي واريد ازرع البسمة وما تخضر

3. يدرب العافية اشمالك تطش عثرات

4. واراويك اشكثر طيفك يفزز طفلة ادموعي (تعبير جميل وشاعري جدا)

5. يا كعبة عشگنه الچنه بیک انطوف

معذوره الشمس تلبس عليك اكسوف

وهذا مقترح للرسام والكاريكاتير:

إذا أردت أن ترسم لوحة، خذ من أشعار سيد حسن الفكرة واسمع ما يقول:

1. رد لي ظلي الچلب ابشباک ظلك

2. چانت الوادم ييمه بخير تحچی

وتظل تحچی وچان بس الغیم یبچی

3. وچان کل بیت ابسلفنه یموت لو حطوله باب

ركز على تعبير الكرم والألفة والإخاء.

هذه مواطن القوة وكل ديوان سيد حسن قوي.

هناك بعض النقاط لا أسميها نقاط ضعف بقدر ما هي ملاحظات واقتراحات للطبعة الثانية للديوان:

الملاحظة الأولى:

أقترح أن يُقرّب الشاعر الشعبي لغته إلى الفصحى حد الإمكان، فالفصحى هي الأم وهي الأساس.

وليس قصدي أن يدخل في بحر النحو العميق. بل يراعي التأنيث والتذكير على حد أدنى...

واسمع ماذا يقول سيد حسن:

أكل بينه الحرب أعوام

أكل كل شي

الشجر والحجر والأحلام

ما ظل بالسلف غير البچی الأسود وصم أوهام

ماتت بالمدينة أيام

نرجع إلى البداية:

أكل بينه الحرب أعوام

أحببت أن يؤنث سيد حسن الفعل فيقول: كلت بينه الحرب أعوام

ذلك لأن مفردة الحرب مؤنثة مجازية.

نقول: هذه الحرب، ولا نقول هذا الحرب.

إذن كلت بينا الحرب أعوام، أصح من أكل بينا الحرب أعوام.

الملاحظة الثانية.

هناك بعض الأخطاء الإملائية والمطبعية والتي لا مفر منها مهما ركزنا ونقحنا النص.

والحقيقة أن وجود الأخطاء الإملائية والمطبعية ليس الكاتب أو الشاعر وحده يتحمل وزرها بل القارئ أيضا.

كثيرا ما نشرنا قصصا وأشعارا في مجموعات التواصل، مثل الواتساب والتيليجرام والفيسبوك، وكان فيها أخطاءٌ ولم ينبهنا بها أحد؛ ولم نسمع سوى أحسنت، وأجدت؛ لم نسمع سوى التشجيع.

بينما كان على القراء أن ينبهوا الشاعر بأخطائه.

ولا أريد أن أشتكي من غياب النقد في ساحتنا الأدبية وإنها فاجعة، فاجعة.

أيها الكتاب والشعراء تقبلوا النقد حتى لو كان جارحا...فغياب النقد في ساحتنا الأهوازية فاجعة، مصيبة.

الملاحظة الثالثة.

هذه القصائد الرنانة بمحتواها الجميل، لماذا لا تحتويها أوراق ذات جودة عالية؟!

يا إخوان، الكتاب أثر سوف يبقى؛ اعطوه حقه من حيث الجودة...الجودة في الخط (الفونت) الفونت العربي، في تصميم الغلاف، في تصميم الصفحات، التنضيد، والأهم من هذه كلِها جودة الأوراق.

ليصدرَ الكتابُ الأهوازي بحُلة جميلة تليق به.

والكتاب الأهوازي يستحق الدقة، والتعب والتكاليف.

في الختام أقول إن الشاعر ليس من يسطر القوافي والأوزان، وإنما من يخلق ما لم يخلقه قبله.

15-3-2018

سعيد مقدم أبو شروق

الأهواز