فلا زواج ولا أسرة، ولا حياة اجتماعية أو روابط أرحام أنت لوحدك و السكون، فلا أطفال ولا لعب، قوم مُعدمين الرفاهية والتسلية، ودأبهم العملُ لإكتشاف سر الخلق وسر الوجود وغاياتُه وضوابطه، معرفة الأصول والمنشأ.
سِر معي قليلا لترى هذا الرجل وسرُّ اختلافه، لشذوذه أو رِفعته؟.. ها هُو أثناء عودته لمنزله ليلاً مُتعبٌ ومنهك القِوى، شي ما اخبره، حدسٌ؟ قدر أم صُدفه؟ بأن يقف قليلاً ويتكئ على السور المُطلُّ على البحر ليرى تلاطُم امواج البحر و رفرفةِ هوائه البارد، لعلّه ينسَى فيه أعباء العمل، بالقُرب منه هُناك توجد امرأة تحادثُ رفيقتِها،
فدفعهُ التعبُ في صوتِها والألفَة فيه، دفعته قطاراتُ الفضول إلى النظر.
وفي تِلك النظرة الاولى المُجردة من المشاعر..
في لحظة اختيار بعضاً من مشاعرك وتقسيمها لأطرافك ومُخرجات افعالك وتأثيراتُها، في تهافت المشاعر واندفاعها، وُلد شذوذ من المشاعر من تصادُمِها ببعضها لتخلُق ظاهرة ثورية لرُبما ستغزو جميع مشاعره أو تموت فور ولادتِها.
ها هُنا مشاعرنا جميعَها مجردةً أغصانُها من العواطف كالاهتمام والشوق، الحماية والمسؤولية، والطمأنينة و الأمان، كالمواساة والغيرة وحب التملك؛ كحرية الطيور في اختيار موجات الهواء ورقصاته لتُحلق فيها، مشاعرٌ كالخوف من الفقدان والرغبة بالتواجد، لإشباع نزوة لاتعرفُها، نزوة تخافُها وتحاول الهرب منها واقتلاعها، لكنها تسيطرُ على افكارك وقراراتك وتُغير مجرى أفعالك وتصرفاتك، تجعلك سارحاً وغارقاً في خيالات تأخذك الى مكان اخر، منتشياً في رفرفة رمشها و انثناء طرف وجنتيها، في اعتناق يدها البيضاء كزهرَة الياسمين لخيوط شعرِها، مختنقاً في دُخان شفتيها تموِّجُك حيث شاءَت سفينتُها ، مهووساً بالتقرُب منها واللحاق بنارها ليدفئ الصقيع في قلبك.
الشعور بالرغبة بالبوح نتيجة ثورة المشاعر الاحساس بواجب منحها هذا الشذوذ، كأن تهبَها كل شي ولاشئ يكفي، كيف ستُحبيها مشاعرك الخارجة عن المألوف؟
كيف تجُرها معك إلى هاوية الحُب؟
هل هي مشيئةُ القدر في جمع مشاعركَ بمحطاتِها، أم هو واجبٌ يقتضية هذا الشعور، الضغط الهائل الذي يتقنهُ الحُب يقتلك بلا إرادة منك ولا دفاع.
فضلّ أسيرَ عِطر جسمِها الذي أدمنه، ومشيتِها التي تُشبه انحناء عود القمح، مرتقباً للسحر في صوتِها وعذوبته في الراحة فيه وفي عالمه، كأنها كونٌ قد وُلد، خالقاً منها عوالمٌ وأفلاك، يؤلمُه فكُ أسرِه عندما تصلُ الى باب بيتِها.
كيف سيهبُ الحب لجميلته التي تخافُ العدوى منه، أهي جملة ظريفة يُلقيها أم اعتناق جميع ماتُحبه هِي برغم الاختلاف بينهما، أم هو الإهتمامُ بها بتفاصيل يومِها والإنصاتُ لأحداثِه، أو لرُبما بالوقوف بجانبها وإسنادها حين تتعثر، أثق بوجود قوةً ما نجهلُها ستقربُه منها.
تتسابقُ الأيام وتجري وهو يزدادُ غرقاً وتعمُقاً في حُبه، حُرم من نعمة النوم وأبتُلي بأحلام اليقظة، ينسى طعامهُ وشرابه فلا يأكل إلا مايجعله يقوَى على رؤيتها، هزُلت ملامحُه واسودّت أجفانُ عيناهُ من طول السهر، بين الناس ثوبُه و نفسُه فحيث تكون هِي، طغى سكونَهُ سكونَهُم فلا يَسمع حين يُخاطَب، ويجيب بعشوائية الكلمات.
جمعتُه الصدفه بأن يكونا في صفّ اللُغةِ وقوتِها، حيث للكلمة في هذ الفصل مناشئ وسلُالات، وقوةٌ في تحفيز الانفعالات وتجريد العظماء من الصفات، فها هُو المُعلم يشرح الدرس أما هُو فأستاذهُ خيالاتُه وتكّسبُه النظر إلى الفتاة.
سألُه المُعلم أن يقف في مقدم الصف ليشرح نظريةً ما مُتداوَلة فقام مرتبكاً فلم يُنصت من المعلم درساً ، ثم سأل المعلم الفتاة بأن تقفَ وتناقشهُ المسألة، وقف أمام عينَه ثم.
أصبح الجميع يرى الإختلاف في نظراتِه اليها، وتحديقهُ في عينيها، فكان يُخبرُها بحُبه وكأنّ لعينيه طيورٌ ترسل الكلمات،
قلبُه كان يصرُخ ويطلمُ نفسه يشتكيها إليها، وكفّية عبثاً تودّ التنزُه وقطفُ الزهور من وجنتيها و أطرافُ كتفيها، الإنغماسُ في عبير شعرِها والتوددُ إليه، تورّدت شفتيه وإبيّضت من الضمأ على شاطئ نَهر من الجنة، فكُل عُضو فيه يودّ عناقِها، والسفرُ مابين مُرتفعٍ فيها ومنخفظٍ بين محيطاتها وسمواتِها، يودُّ قراءةُ افكارها وحديثُ وعيِّها، والمبيت مابين الجفن وعينِها.
كيف يُخبر المياه بروعتِها في عالمٍ أطيافُه لا يضمأون.
كيف يُخبر زهرة الياسمين بجمالِها في عالمٍ لا يرى الألوان ولا يميزُ العطور.
ستبقى مدفونةً ومختبئةً مشاعرُه الوليدة، كالجنين لاحولٌ لها ولا قُوة، لكنه سيكبُر ويقوَى، والفضلُ لها.
لربَما تُقتَل ثورةُ مشاعرَه في تصادُم مبادئه ومنطِقه.
هل لمشاعره القُدرة على العودة إلى مقبرة العدم؟
أو لرُبما تُخلَّد مشاعرهُ حتى تأخذه السنوات والساعات إلى الموت المحتوم، من سيموتُ أولاً؟ هو أم مشاعرهُ الثائرة؟
أم يموتاً معاً ؟ أو في تخلُّف أحدهُما عن الآخر.
-
الحرمآنProfessional desigher, writer, and dreamer.