عن العشاق سألونى
مقال/ عبده عبد الجواد
نشر في 17 شتنبر 2019 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
هل تذكرون" ياسمينا" تلك الفتاة المدهشة في برنامج المواهب الشابة؟ قد لا يعلم الكثيرون من الجيل الحالي أن أغنية" عن العشاق" التي شَدَتْ بها أنها من كلمات شاعر جميل اسمه" بيرم التونسي" وكلماتها عبارة عن خمسة أبيات غنتها ام كلثوم في فيلم " سَلاّمة" (بتشديد اللام) عام 1944 أيام المملكة المصرية.
لقد قصدت من هذه المقدمة التاريخية الاشارة الى عدد من النقاط الهامة:
أولا: لم يُخِرج الناس -التي سمعت هذه الأغنية وقتها - معنى الاغنية عن سياقها الأصلي
وهو حياة راعية الغنم والتي بدأت أغنيتها: "سلام الله على الأغنام" وأكملت الاشادة بأغنامها فهي مطيعة هادئة لا تنفعل ولا تغضب بسرعة ولكنها تصبر" ولو تتشتم ولو" تنضرب"!
ولم يفهم الناس - بأنها رسالة من الملك (الحاكم وقتها) الى الشعب بأن يعيش كما تعيش أغنام سلاّمة في طاعة عمياء مهما فعل الملك وحاشيته فالدنيا كانت أبسط والفن لم يكن مُوَجَهاً!
فقد كانت وسائل التواصل قليلة أو نادرة وكانت تحت السيطرة ومن يعرف القراءة فقط هو من يعلم، فبقي الجاهل جاهلاً يأكل ويشرب كالأنعام على هامش المجتمع وظل العالم مجتهدا يتلمس وسيلة للعلم وبقي المجتمع على قِيَمِهِ.
ثانيا: هناك أغنية أخرى- في نفس الفيلم - خفيفة وجميلة تحمل روح الدعابة
" قولي ولا تخبيش يازين" فقد امتلأت الأغنية بما ينظر إليه البعض على أنه فتاوى حين سألوها “القَبلة حلال والا حرام؟" فأجابت راعية الغنم " القبلة ان كانت للملهوف...يأخذها بدال الواحدة ألوف"
وعمن يقابل حبيبه الذي طال شوقه للقائه.. هل هو مذنب أم لا؟ " فقالت:" يوافى الوعد ولاينساه إن كان فيها شفاه ودواه" والأهم من كل ذلك أنه لا يهتم بأحد: " ولا يسمع للناس كلام ولا يخشى للناس ملام"!
وأختتم الشاعر كل هذه الآراء " وياما ذنوب يغفرها الله وربك رب قلوب "!
سمع الجميع كل هذه الكلمات الخفيفة المرحة التي تشبه الفتاوى ولم يعتبرها أحد كذلك.. فالجميع يعلم حدود الله ولم يقل أحد أنها تعبر عن فِكْر شاعر منحرف يزدرى الدين أو قيم المجتمع، ولم يحمل المعاني أكثر من كونها كلمات ترسم الابتسامة على الوجوه.. كم كانت الحياة بسيطة وجميلة!
فلما زادت وسائل التواصل، بكثير من القنوات الفضائية والاذاعية والانترنت في مجتمعات جاهلة زاد الجاهل جهلا بل صار جزءا من منظومة نشر الجهل من امتلاكه للقنوات أو حتى من خلال هاتفه الشخصي الحديث ولم تعد الوسائل تحت السيطرة فضاعت اللغة بين منشورات لغة الفرانكو وأخطاء الاملاء، وضاع الدين وضعفت العقيدة بين منشورات مغلوطة وضاعت القيم والأخلاق بين مواقع الشواذ! وصار التواصل الاجتماعي ووسائله فقط لتبادل النكات ونشر الشائعات والجهل، والقليل جدا منها يستخدم ويوجه في سبيل الله أو ينشر العلم الصحيح.
ثالثا: تواصل الأجيال والبيئة الاجتماعية:
وأعود الى ذلك البرنامج الذي بدأت الحديث به، فلما تغنى الموهوبون فيه بالأغاني القديمة فاذا الجميع يتواصلون بها من غير قصد وجلس الشباب والشيوخ معا يستمتعون بقصة (سلامة راعية الغنم) تغنى عن العشاق -فاعترفت: " أنا في العشق (لا أفهم)" فلما أصروا أن تغنى قالت" (سمعناهم) يقولوا العشق حلو وآخره علقم " أي شديد المرارة.
وبقي للجيل الجديد المتعة بالاستماع لحديث العشاق وحلاوة العشق، بينما الباقين من الكبار ومن لديهم بعض العلم يغمرهم القلق ولا يشعرون سوى بالمرارة من قنوات تزيد المجتمع جهلا سياسيا وفكريا وتوجهه كيفما تشاء خلف ما يلقب " بالإعلامي.. أو المفكر.. أو الباحث الإسلامي " وقنوات أخرى تضيع منظومة القيم بأفلام هابطة ليل نهار، وأخرى تنشر الحوادث بالتفصيل ليتقن ضعاف النفوس فن الجريمة، وجهلاء ينشرون من هواتفهم الجهل والأكاذيب
ومع مرور الأيام تتزايد الرغبة لدى أصحاب السلطة والمال والشهرة لبقاء الأوضاع كماهي، ويظل حوار الطرشان ولا أحد يسمع ولاأحد يفهم فالكل يظن انه يعلم والكل يتكلم ولاأحد يسمع ولاأحد يحرك قاطرة المجتمع في مسار العلم
تملأ الأسماع والأبصار يوميا أخبارالارهاب والتطرف، التحرش الجنسي، والجرائم ويتحدث المحللون ويتهمون الدين وشيوخ القنوات الدينية بكل هذا ويضربون الأمثال- وبكل فخر - لقد عشنا في أزمان ماضية وكانت النساء تسير في الشوارع بالمينى جيب ولم يكن في مجتمعنا تحرش، ولم يحدث الا مع انتشار الحجاب والنقاب!
ويفتقد الجميع شجاعة سلامة راعية الغنم ولا يجرؤ أيهم ان يقول على أي موضوع
(لا أفهم) ...!
وتمتلئ الدنيا ضجيجا بغثاء أفكار،وأخبار ليست بالأخبار ولكنها مما يتناقله الناس ويسبقوه بكلمة (سمعنا) – لكنهم لا يقولون كلاماً صادقاً - كما تحدثت سلاّمة عن العشاق!
عبده عبد الجواد- بورسعيد-مصر
-
Abdou Abdelgawadرحلتى الطويلة مع عشق الكلمات لسنوات هاويا، تحتوينى كلماتى أحيانا وفى أخرى أحتويها ، كفانى أراء وحب الأصدقاء كأوسمة ونياشين تفيض بها ذاكرة عمرى ، وسيظل عشقنا الكبير حتى يتوقف بنا قطار الحياة، وحينها ستبقى الكلمات شاهدا ...