المقاومة...
كل شعب يحارب ليحيا، هو ولا شك شعب مُقاوم. لكن هل كل مدعي المقاومة مقاومون؟
نشر في 25 شتنبر 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
وأخيرا وقع الصلح بين اصابعي وفعل الرقن. جادا علي بالكتابة عن المقاومة، بعد أن نجحت في مقاومة خصامهما أخيرا... ^^
المقاومة ذاك الفعل الأسطوري الذي لطالما تغنت به الشعوب والأوطان، وان اعتبره كثيرون مجرد رد فعل عابث لا إرادة أو رؤية فيه، لكنه على كونه مجرد رد إلا انه الفعل كله والجبروت والقوة كلها، فعل استطاع على مر الزمان الحفاظ على حياة الأوطان والأفكار والإنسان.
فعل المقاومة يا سادة شئنا أم أبينا هو أس الحياة وفعلها السرمدي، فوحدهم الأحياء تقاوم أرواحهم وأجسادهم وأقلامهم...أما الموتى فهم مجرد جثث يجرها التيار ويسوقها أنى شاء وأراد.
لكن المقاومة لا تعني بالضرورة مقاومة العدو أو الغير بل أحيانا قد تكون أنفسُنا وأوهامُنا وأفكارُنا وانهزاميتُنا أولى بالمقاومة والمجابهة.
المقاومة هي أن يقاوم قلبك وروحك وفكرك إلى آخر رمق في حياتك، أن يقاوموا الخوف والرعب وحب الركون والسكون، أن يقاوموا الكراهية والرغبة في إقصاء الغير والآخر.
المقاومة ليست فعلا أنانيا متمثلا في الرغبة المفرطة في حماية نفسك وذاتك ومحيطك فقط بل ان مقاومة الأنانية والكره والتطرف والانتصار للذات هي روح المقاومة وقوامها إذ لا يوجد أصعب من مقاومة خوفك وذاتك ورغبتك في القتل والتدمير والتخريب انتقاما لنفسك أو دينك أو عشيرتك.
كثيرون في هذا العالم يصرخون أنّا مقاومون، يعيشون ويموتون مقتنعين بممارستهم لفعل المقاومة، لذا لا مهرب من طرح هذا السؤال: هل كل الصارخين مقاومون حقا أم أن الجميع أو الغالبية أو القلة واهمون؟ خصوصا أن كل أطراف الحرب الواحدة قد يدعون أنهم يمارسون حينها فعل المقاومة وأنهم لا يريدون قتل أو أذية الآخر وأن كل همهم في هذه المعركة هو الدفاع عن النفس أو الفكرة أو المصلحة...
و لنُسائل أقرب الأمثلة على ذلك، فبعيدا عن السياسة -قريبا من نفسياتنا- وان كانت كل ممارساتنا السياسية منها والاجتماعية والعاطفية أو العقلانية تبقى ممارسات إنسانية في آخر المطاف، محكومة كانت بالعقول أو القلوب، وفردية كانت أو جماعية...
_الكثيرون قد يعتبرونه حديثا في السياسة ولا نية لي في الخوض فيها الآن_
فمثلا حزب الله اللبناني الذي عاش في وجداننا على انه مشعل المقاومة الأسطوري الذي ذاد عن حمى جنوب لبنان وأمعن في ذلّ دولة الاحتلال الصهيوني هاهو اليوم يرى في مشاركته في سفك دماء السوريين مقاومة للصهيونية العالمية والهيمنة الأمريكية التي زرعت مخربين داخل المجتمع السوري على حسب تصوره والتي ترغب من خلالهم في تدمير آخر معاقل مقاومة الاستبداد الأمريكي والصهيوني العالمي.
والمواطن السوري الذي اختار الثورة ضد نظام بشار يرى نفسه مقاوما مدافعا عن حريته، وان كنا نجهل مدى رغبته اليوم في الاستمرار في هذه الثورة التي قتلت وشردت الكثيرين _واليقين كل اليقين أن الثورات من دماء شهدائها براء،هي الكراسي والمناصب من كانت دوما سببا في معاناة الشعوب الثائرة_
ولست ادري ما الذي يرى بشار نفسه مقاوما إياه إلى جانب حليفه الروسي الذي لا يهمه في الأمر إلا الدفاع عن مكانته في المجتمع الدولي إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية.
الكل هنا يرى نفسه مقاوما...
وما حادثة القتل التي أفجعت الشعب الأردني يوم أمس أمام إحدى المحاكم ببعيدة عن سياق الحديث، فالقاتل يرى في فعلته مقاومة للمعتدي على دينه ومعتقداته والمغدور يعتقد أنه قُتل دفاعا عن حرية الفكرة والتعبير، وغيرهما ممن سيختارون الاصطفاف في صف الأول أو الثاني فكلٌ يساند اما دفاعا عن نفسه أو فكرته أو مجموعته التي تتبنى نفس أفكاره وأحلامه ورغباته.
والكل هنا لم يقاوم نفسه، لم يقاوم أنانيته، لم يقاوم رغبته في التعدي على معقدات وأفكار وحياة ووجود الآخر معنويا أو ماديا، الكل انتصر لذاته وأنانيته، الكل انتصر للخوف من امتداد الآخر وتقويه، الكل انتصر لفكرة أن وجود الآخر تهديد للنفس. رغم أن الأصل في الإنسان هو أن ينتصر للحياة والإنسانية كيفما كان توجهات المظلوم ومعتقداته.
لست هنا في معرض عد حركات المقاومة الدينية أو السياسية أو الاجتماعية التي تتصارع فيما بينها وهي للأسف كثيرة في عالمنا بل ربما هي المحرك لصراعات العالم أجمع.
أنا أحاول فقط أن افهم كيف يرى كل منا نفسه... كيف يظن كل منا انه المقاوم الوحيد الذائد عن حمى النفس والوطن والدين والإنسانية، متجاهلا أن الغير أيضا يملك نفسا ووطنا ودينا مختلفا... وأن من يشاركونه الوطن والدين أيضا قد يختلفون معه في طريقة رؤيتهم وحمايتهم لها... كيف ينسى كل منا أنه مجرد جزء من الكل، أنه مجرد فرد في مجتمع كبير محكوم بالاختلاف وعليه ليعيش ويحيى أن يلجأ للتعايش والائتلاف، فيسمح كل منا للآخر بالعيش كما يشاء ودون تعد أو استبداد أو رغبة في محو أو سحق الآخر.
وجودي ليس تهديدا لوجود أحد، يمكننا حقا أن نقاوم الخوف والرغبة لنحيى، يمكننا أن نقاوم الخوف من الفناء والرغبة في السلطة لنتعايش وندبر أمور حياتنا متقبلين لغيرنا وان حكمت الديمقراطية بأن يصبح هو المُتحكم في مصائرنا لأنه سيكون مثلنا حينها متقبلا لوجودنا وبالتالي لن يسعى يوما في فنائنا أو إقبارنا.
كلنا يقاوم الغير فلمن نترك مقاومة أنفسنا؟
-
آمنة النظامأدخلني الى هذا الموقع بعض الفضول وحنين للكتابة... من يدري ربما يحدث وأرقن بعضا من الحروف مرة أخرى...
التعليقات
مقال جميل , بالتوفيق .