في كل مرة من المرات النادرة التي أتفرج فيها على الأخبار في قنواتنا العمومية أراني أمام مغربين يحاول كل منهما عدم الإقتراب من الاخر لربما مخافة أن يلطخ صورته..
من أمواج الإذاعة و على شاشة التلفيزيون ترى المغرب الذي نحب... مشاريع كبرى و مبادرات إنسانية و إختراعات و أفكار و حركات شبابية و أخرى ثقافية.. في التلفزيون ترى الحياة مفعمة بالأمل فالمذيعة و حتى هي تخبرك بأسوء الأحداث تحس لوهلة أنها قد تبتسم لك فجأة بعيدا عن قتامة الخبر..
المغرب الأول متحضر و َواعي و متفائل بل حتى لديه قضايا في البيئة و قضايا من السياسة الدولية تشغله و تهمه.. ترى الراية خفاقة و اللون الأحمر فيها تهوى له النفوس و الأخضر فعلا يحسسك بأنك تنمو و أنت مرتاح...
تحس أن كل شيء سهل و رئيس الجماعة جالس في مكتبه ينتظر قدومك على أحر من الجمر و في مفوضية الشرطة يغنون أناشيد العدل... يتراى لك مغرب فخم عظيم جميل لوهلة تظنهم لربما أخطؤوا في تصنيفه و ترتيبه..
أما على أمواج الإذاعة فحدث و لا حرج فبرنامج لا يتوقف عن إهداء الأغاني و اخر لا يتوقف عن محادثة الأطفال فيما شيخ دين أغلب كلامه أنه لا يعلم.. و هذا هو مغرب العاصمة و البيضاء و ما حواليهما و مغرب مراكز المدن الكبرى...
في المغرب الثاني إمرأة تلد أمام المستشفى لعدم وجود ممرض أو ممرضة تقوم بتوليدها أو لأنها تسكن منطقة تعتبر إداريا غير تابعة للمستشفى الذي ذهبت له لذلك منعها حارس الأمن من الدخول.. في المغرب الثاني إياك أن تمرض أو يمرض أحد ممن تحبهم لأنك بعدما ستمر به من تجربة فستركب أول طائرة مجانية لخارج أرض الوطن حتى لو كانت متجهة لنيروبي أو كينشاسا....
في المغرب الثاني أحياء و مدن يستحيل العيش فيها إن لم تكن مجرما سابقا.. و فيه أيضا مدرسة مكتظة عن اخرها و تلميذ يدرس ساعتين في اليوم و يبقى طيلة اليوم بدون تعليم و تلميذة تقضي من الساعات في حصص الدروس الخصوصية ما لا تقضيه طيلة سنتين في الدراسة في المدرسة...
في المغرب الثاني فإن المحامي و القاضي و الشرطي و الدركي لا هم لهم سوى نهب الناس و جمع المال.. كل شيئ يمكن شراؤه و كل شيء يمكن حله.. أما المنتخبون فلا هم لهم سوى طوائفهم و إرضاء قواعدهم تحضيرا للسنة القادمة من الإنتخابات..
في المغرب الثاني قدوم رمضان هي كومة مصاريف و كثرة المناسبات العائلية تعني هدايا لا يملكون ثمنها أما عيد الأضحى فلا يمر على الأب حتى يكاد يشنق نفسه مكان الخروف..
في المغرب الثاني بقع و أماكن لا تلجها دوريات الشرطة و في كل زنقة ضيقة محل بقالة و قهوة و بائع للكيف متواري وسط الحاضرين.. من تلك الأماكن، حيث تغيب أعمدة الإنارة و تسقي الناس نفسها بنفسها من مياه الأبار.. حيث الصرف الصحي لا مكان له و روائح تزكم الأنوف تعم المكان..
أما الراية فتراها معلقة مثلما تعلق سفينة حربية منهزمة علمها حيث أنها لا ترفرف بتاتا كطائر قنصه صياد من الضربة الأولى و الأحمر يميل البرتقالي كما لو كان علم هولندا و النجمة الخضراء باتت كنجمة من خطوط سوداء شاحبة اللون كما لو رسمتها هناك خطاطة حناء متدربة في كف إمرأة عجوز..
من وسط ذلك المغرب يصبح الحديث عن الأمل سخرية و عن المستقبل أضحوكة.. حيث شباب يضيعون و يضيعون و الأولى بفتح الياء و كسر الضاد و الثانية بضم الياء و فتح الضاد و ما بينهما من فرق هو ذاته ما بين المغربين.
-
boufoussكاتب يعشق القلم و الكتاب و يدعو لحداثة الفكر و الرأي و مؤمن بالإختلاف