كنت دائما اشعر تجاه اصدقائى الذين ابتلوا بفقدان ابائهم بشعور اقرب الى الشفقة و الحزن لأجلهم رغم ما كنت اراه من انهم يحيون بشكل طبيعى فهم يمزحون و يفرحون.
و لكن كنت اشعر مع هذا بأنهم فقدوا جزءا من انفسهم جزء ذهب الى الابد. الى ان اغتال القدر سعادة كنت احيا فيها برحيل مفاجئ لأبى ليحيل تلك السعادة الى رماد , كشخص يرتجل بين الازهار فى فصل الربيع و اذا ببرق اصاب رأسه و احرق عالمه فى لمحة بصر , علمت وقتها و بعد ان تجرعت كأسا كنت اخشاها بأنهم لم يفقدوا جزءا من انفسهم بل انهم فقدوا انفسهم بالكامل و ارواحهم رحلت و لم يبقى الا جسد و ما هم فيه من ما يشبه الحياة الطبيعية ما هو الا قشرة تخفى تحتها وعاء اجوف ليس به شئ فقد رحلوا وقت ان رحل عنهم اباؤهم , علمت ذلك لأنى صرت منهم صرت كالموتى الاحياء علمت بأنهم ليسوا خرافة و انى دليل على حقيقة وجودهم .
ما اعرفه انى كنت قبل رحيل ابى مقبل على الحياة احلم و اخطط لكل لحظة فيها و احلم بأن يرى ابى نجاحى و ان ارى انا سعادته الغامرة بنجاحى .
تلك السعادة فى عينيه كانت هدفى . اما و أنه قد رحل فقد صرت بلا مطمع او هدف فى تلك الحياة اصبح الاقبال على الحياة اقبالا على الموت.
اقبالا على موت لا يشوبه الا خوف فى نفسى من سوء عاقبة لما اقترفت من ذنب فأخشى بأن الموت الذى اراه سبيل لقاء بأبى لا يفضى بى الى لقاءه بل يكون مجرد سوء خاتمة .
لذلك صرت أسأل الله توبة فرحيل فلقاء بأبى .