العلاقات بين و مع أصحاب المصلحة في الأزمات جائحة كوفيد 19 نموذجا
معهد الفضاء المدني
نشر في 26 مارس 2020 .
تعيش الانسانية في هذه الفترة جائحة عالمية تتمثل في انتشار فيروس كوفيد 19 الذي أدى الى وفاة الالاف في عدة دول بسبب انعدام وجود دواء فعال ضده و هو ما أدى الى ظهور أزمة صحية شملت أغنى الدول و أفقرها على حد السواء وعادة ما ترتبط الأزمات بالاحساس بالخطر والتوتر العام و هنا تبرز أهمية سرعة اتخاذ قرارات و إجراءات لمواجهة الازمة و قد بدا هذا الامر جليا في تعامل الدولة التونسية مع هذا الوباء حيث انها عجزت أن تمنع هذا العدو الخفي من دخول أراضيها رغم كل القرارات و الإجراءات الوقائية التي قامت بها . و عند ظهور أولى الإصابات تشكلت خلية ازمة تظم أصحاب المصلحة من هياكل عمومية و خاصة و مجتمع مدني و أطباء و علماء للعمل على التقليص من خطر العدو الخفي.
فالازمة تنتفي امامها التجاذبات السياسية و المواقف الحزبية لأنها تحتاج إلى مجهودات كبيرة للتعرف على متغيراتها و تفسير ظواهرها و محاولة السيطرة على أحداثها و تجنب مخاطرها و التعامل معها يتطلب دراسة معمقة لتجارب الشعوب الأخرى التي تغلبت على المرض و قاومته كما تتطلب دراسة للأسباب و الظروف التي تساهم في تعميق الأزمة هذا إضافة إلى توحيد وجهات النظر و رسم رؤية مستقبلية لتوقع ما سيحدث من تطورات.
وفي مواجهة أزمة كوفيد 19 تتالت القرارات و تسارعت وتيرتها ففي ظرف أسبوع تم فرض حضر التجول الجزئي ثم سرعان ما تم الانتقال إلى مرحلة الحجر الصحي العام و استقبل الناس هذه القرارات برضا رغم تداعياتها الاقتصادية و الاجتماعية خاصة على ضعاف الحال و محدودي الدخل و قد تم وضع خطة إعلامية نظرا لما للإعلام من أهمية كبرى في إدارة الأزمات و ذلك عبر ندوات صحافية يومية و حضور ممثلين عن وزارة الصحة في البرامج التلفزية و شبكات التواصل الاجتماعي .
و مع تطور الوضع ظهرت العديد من الأعمال التطوعية قامت بها منظمات المجتمع المدني و المواطنين على حد السواء فتشكلت لجان لمجابهة انتشار العدوى مهمتها التعقيم و الحرص على النظام العام و توعية المواطنين كما ظهر مد تضامني عبر توزيع المساعدات على العائلات محدودة الدخل و ضحت الدولة باقتصادها لتؤجل سداد القروض و ترصد منحا و تمنح إعفاءات.
لكن هذا المرض سرعان ما عرى حقيقة المجتمع فبرز الاحتكار و المقايضة و الانتهازية و اللهفة على اقتناء المواد الغذائية مما جعل أصحاب المصلحة يفرضون عقوبات و يحذرون من التجاوزات.
كما أن عدم التزام العائدين من بؤر المرض و فرارهم من المطار ساهم في تفشي الفيروس في عدة أماكن من تونس مما جعل الدولة توفر مراكز حجر صحي لإيواء الوافدين و قد شهدت بدورها فرار العشرات مما عرضهم للتتبع العدلي .
ان فيروس كوفيد 19 هو امتحان حقيقي لمتانة العلاقة بين و مع أصحاب المصلحة و لئن بدت في بدايتها هشة و فيها سعي فردي لتحقيق المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة إلا أنها مع تطور مؤشرات تحولت الى عمل جماعي تجاوز حدود الوطن ليصبح عالميا فقد وصلت تبرعات بعض الدول الصديقة و الشقيقة لتساعد الدولة على تجاوز هذه الجائحة و لتمنع انتشاره أكثر حرصا على سلامة البشرية بأكملها فهو مرض لا يعترف بحدود الدول و لا بقوتها الاقتصادية و لا بتاريخها المجيد .
و عندما ننظر الى تبعاته البعيدة و نتائجه نرى و نتنبأ بتغييرات عميقة في الخارطة العالمية و في العلاقات بين الدول و هذا ما قرأناه من خلال موقف إيطاليا من الاتحاد الأوروبي فربما يكون هذا الفيروس سببا لخروجها من أعتى الاتحادات العالمية و سببا لقطيعتها مع دول الجوار التي لم تقدم لها يد العون و المساعدة و هي الدولة الأكثر تضررا إلى حد الآن .
حياة قادري