ان المتابع لوضع الاطفال في المغرب قد يندهش للمكانة التي يحتلونها في المجتمع المغربي ،اد لايزال قسط كبير منهم يتعرض لأبشع أنواع الاستغلال ، فكثيرا ما نسمع عن اطفال تعرضوا لتحرش أو للاغتصاب أو القتل أو حتى المتاجرة في أعضائهم و الاختطاف و الاحتجاز، ناهيك عن انتشار ظاهرة استغلالهم في التسول ،أن الاطفال ولأسباب بيولوجية ونفسية واجتماعية تتمثل في الضعف الجسماني وعدم النضج العقلي وقلة خبرته وإدراكه يكون أكثر احتمالية للوقوع ضحية لجرائم إساءة المعاملة .

ان الاعتداءات التي يتعرض لها الاطفال تعدادها كبير، الى انها تعتبر من الجرائم التي يجري التستر و السكوت عليها لأنها تدخل ضمن اطار الشرف وثقافة العيب ،فالأطفال ضحايا الاعتداءات غالبا ما يتم ترهيبهم من طرف الجاني او يتلاقون مقابل مالي يكسب به المجرم عطفهم و يحثهم على عدم الإفصاح عن سر و يحفزهم على التستر على الواقعة ، يعتبر المجرمين هذا الوصع بمثابة ضوء أخضر يشجع على انتهاك كرامة المزيد و المزيد من الاطفال ،و يحول هذا دون معاقبة الجناة ،

معاناة الاطفال لا تقتصر حول من يتربص بهم من المجرمين بل يتعداه ذلك الى الاهمال و اللاتخطيط الذي يطبع برامج الدولة في حماية وحفظ الطفولة المغتصبة للألاف من اطفالنا ،رغم التزام الدولة في قوانينها و المواثيق الدولية الموقعة عليها لصون حقوق هذه الفئة الهاشة ،الى الارقام تثبت انها لا تزل بعيدة كل البعد عن الوفاء بالتزاماتها.

فالأرقام المقدمة من طرف اليونسف و البنك الدولي و بعض الجمعيات ،تأكد و بالملموس مدى عمق الفجوة بين الاقرار و الوفاء بالالتزامات وحفظ حقوق .

الوضع الصحي.

لقد ساهمت المبادرات التي اطلقتها الدولة من تقليص عدد وفيات الاطفال فوق 5 سنوات ، إلا أن معدل وفيات الأمهات وفيات الأطفال الرضع و الاطفال الاقل من5 سنوات لازال مرتفعا اد سجلت منظمة اليونسف 22 الف حالة وفاة ، من اجمالي مواليد سنة 2010 البالغ 632 ألف مولود .

كما يقر البنك الدولي بارتفاع نسبة وفيات الامهات بالمغرب اد سجل 120 حالة وفاة بالنسبة لكل 100000 حالة وضع حسب احصائيات 2013 ،في حين استطاعت كل روسيا تقليص عدد وفيات الامهات من 2 ال 1 بالنسبة لكل 100000 حالة وضع .

هذا راجع الى غياب العناية اللازمة بصحة الأم والمولود، و الاكتظاظ الناتج عن قلة المستشفيات العمومية ، و النقص المهول في الحضانات و المعدات و التجهيزات الطبية ، وندرة الأطر الطبية المؤهلة .

عمالة الصغار.

بالرغم من إصدار قانون يجرم تشغيل الأطفال أقل من 15 سنة منذ 2011، الا ان الاحصائيات التي قامت بها المندوبية السامية للتخطيط بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة عمل الأطفال سنة2013 ، تأكد بكون عدد الاطفال العاملين و البالغين من العمر بين 7 و 15 وصل تعدادهم نحو 86 الف طفل عام 2012، أي بنسبة 1.8 % من مجموع الأطفال المغاربة المنتمين إلى نفس الفئة العمرية ، موضحة أن تشغيل الأطفال بصفة رسمية حقيقة مستعصية على الرغم من الانخفاض الذي عرفته هذه الظاهرة .

وبحسب نفس البحث فإن أكثر من 92,4% من الاطفال الناشطين يقطنون بالوسط القروي، ويرى نفس البحث ان ظاهرة تشغيل الفتيان أكثر من الفتيات، حيث إن 54,1% من الأطفال المشتغلين هم ذكور.

إن استغلال هذه الفئة يصل إلى أبشع مراحله ، فهؤلاء العمال الصغار غالبا ما لا يدفعون لهم اجرا تحث دريعة التعلم و يعملون لساعات طوال، والكثيرون منهم يتعرضون لتحرشات جنسية و العنف البدني .

يعتبر تشغيل الاطفال نتيجة حتمية وطبيعية للهدر والعزوف والفشل المدرسي وكذلك التفكك الأسري والعوامل الاجتماعية والثقافية، التي تجبر الطفل على التخلي عن طفولته و الدخول في عالم الكبار المتسم بالمسؤولية .

الهدر المدرسي .

يؤكد البحث الذي قامت به منظمة اليونسكو سنة 2010، أن نسبة 10 في المائة من الأطفال الذين يبلغون السن المخولة لهم للالتحاق بالتعليم الابتدائي لم يلتحقوا قبل ثلاث سنوات، وسجل التقرير أن 13 في المائة من الأطفال المغاربة لم ينتقلوا إلى مرحلة التعليم الثانوي الإعدادي لأسباب مختلفة.

و يوكد نفس التقرير أن معدل الأطفال الذين لا يلتحقون بالمدارس قبل الابتدائي بلغ نحو 20 في المائة بالنسبة للذكور ونسبة 47 في المائة بالنسبة للإناث.

زواج القاصرات.

حسب تصريحات وزير العدل و الحريات يمثل الزواج المبكر 11،47 بالمئة من الزيجات بالنسبة سنة 2013 ،اي ما معدله 35 الف عقد زواج .

لهذه الارقام اسباب منطقية تدفع هذه الاسر لتزويج الفتيات مبكرا، تتمثل من جهة في الفقر و البطالة و الامية المنتشرة في بعض المناطق ، بحيث تتمركز نسبة 91 بالمئة من الزيجات في الاطلس المتوسط و الكبير، و من جهة اخرى سيادة العرف مكان القانون ، هذا الى جانب وجود ثغرات قانونية تسمح بزواج الفتى او الفتاة دون سن 18 سنة (المادة 19 من مدونة الاسرة ).

تعنيف الاطفال .

كشفت دراسة وطنية أعدت من قبل منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وجمعية أمان “من أجل مستقبل أفضل لأطفالنا”، انه تم تسجيل ما مجموعه 11 ألف و599 حالة عنف جنسي تجاه القاصرين بين سنتي 2007 و2012 ، و كان أغلب ضحايا العنف هم الفتيات بمجموع 8129 حالة عنف ، كما سجلت وزارة العدل في سنة 2011 حوالي 2045 قضية مرتبطة بالاستغلال الجنسي للأطفال ،يمكن توزيعها بين اغتصاب وتسهيل الدعارة للقاصرين والاستغلال الجنسي لغرض الربح .

يتخد العنف الممارس ضد الاطفال اشكال متعددة منها ما هو نفسي (السب و الشتم و الضغط )،و ما هو جسدي (الضرب، الجرح، التعذيب، العقوبات البدنية)،و جنسي(كالتحرش الجنسي والاغتصاب واللمس ).

تنتشر جرائم تعنيف الاطفال في جميع الاوساط ، منها تلك التي يفترض فيها السهر على راحتهم وأمنهم وتعليمهم، بدأ من العائلة مرورا بالمدرسة وصولا الى الشارع ،قد يكون هذا العنف ظاهرا او مخفيا .

اطفال الشوارع.

حسب دراسة قام بها المرصد الوطني لحقوق الطفل بشراكة مع اليونسف انه تم تسجيل ما يناهز 25 الف طفل لا مأوى لهم و لا مسكن يعيشون في شوارع المغرب ،و تأكد نفس الدراسة بكون نحو 25 في المئة منهم يتمركزون في مدينة الدار البيضاء .

في نفس السياق تأكد الدراسات التي أنجزتها مؤسسة مغرب الأمهات العازبات سنة 2010 ،عن أرقام صادمة تتعلق بعدد الأطفال المتخلى عنهم يوميا في المغرب، بحيث وصل إلى 24 رضيعا ،و ترى نفس المؤسسة بكون هذه الارقام فابلة للارتفاع، خاصة مع ارتفاع عدد الأطفال الذين يولدون خارج اطار الزواج إلى 153 رضيع يوميا .

أن غياب الإحصاءات الدقيقة والرسمية يجعل الحديث عن وضع الاطفال بالمغرب مهمة صعبة ان لم نقل مستحيلة ،فشح المعلومات و الارقام و الدراسات يعكس لنا ضعف الاهتمام بهذه الفئة من قبل الدولة و مؤسساتها ،و غياب الارقام يعني مباشرة استمرار سياساتها في تبني نهج اللاتخطيط و اللاتنظيم الاداري ،و بالتالي حصد المزيد من النتائج المخيبة الامل .

بقلم : نور الدين توزيط.