بحثت بين أرفف التاريخ ..متأملاً هؤلاء الأشخاص الذين ظنوا أن مشاكلهم أبدية ,وأنهم خالدين للأبد ..تعجبت منهم أشد العجب ,فهم كانوا لا يدرون أنهم سيموتون ويأتي بعدهم أشخاصاً مثلهم وتمر المئات من السنين بل الآلآف ,ويصبحون هم أنفسهم حكايات في كتب التاريخ ,لم يكد يعرف عنهم سوا دارسي التاريخ.
عند بحثي في التاريخ ..وجدت ملوكاً وأباطرة تحدوا الزمن ..هذا الزمن الذي عجز العلماء والفلاسفة على مر العصور أن يجدوا له تعريف يجتمعون عليه ..ما علينا ..هؤلاء الملوك والأباطرة عاشوا في سيرهم كأنهم خالدين ..كأن الممالك التي تعبوا من أجلها باقية إلى الأبد .كأن حياتهم هي الأبدية!
وجدت الإسكندر المقدوني غزا العالم في حروب مع الفرس ,وظن أنه إمتلك القوة الأبدية ..والآن هو ميت بل وجاء بعده قرون طويلة ..والآن إنتهت سطوة الإغريق والمقدونيين وأصبحت بلاد فارس عظيمة ما هي إلا دولة إسمها إيران.
وجدت بلاد الأندلس ,تلك الحضارة العريقة التي كانت مهد الثقافات الإسلامية ..تلك الحضارة التي تخطت الـ 800 عام ..والآن ؟ سقطت الأندلس وأصبحت الدولة الأوروبية التي إسمها "أسبانيا" ولم يبقى من الأندلس سوى الأطلال والأثار القديمة ,حتى أن بعض المساجد العريقة التي كانت في أيام الأندلس ..أصبحت الآن كنائس للأوروبين.
والفتوحات العثمانية التي بلغت الأفق ,وحروبها مع المماليك والإمبراطوريات الأوروبية ..ضعفت وسقطت وأصبحت الآن الدولة التركية الوحيدة الباقية ..وإنفصلت عنها باقي البلدان منها مصر.
بحثت بين أرفف الزمن ,وتعجبت من ما حدث ,ومن ما يحدث الآن ,ومن ما سيحدث الآن.
فالآن نحن في حال ,وبالتأكيد غداً سنكون في حال أخر ..لن يبقى ملك ولن يبقى رئيس ولن يبقى إمبراطور ممن يظنون أنهم خالدين. لن تبقى المشاكل الكبرى فمصيرها النهاية .
ميزة التاريخ ,والبحث في الأزمنة هو أننا نعرف أننا نحن – كأفراد – لن نبقى ونموت ,وتنتهي مشاكلنا وسيأتي بعدنا أجيالاً لهم مشاكل وتنتهي ...وهكذا إلى قيام الساعة.
بعد ما تعمقت في التاريخ ..وحضارة الأمم من قبلنا ,تخيلت أننا الآن في عام 2015 ,وستمر مئات السنين آتية حتى يصبح 2515 وسينظر الناس لنا نفس نظرتنا إلى من عاشوا قبلنا.
بل وسيأتي أقواماً بعدنا يجهلوننا إلا لو كانوا دارسي التاريخ ..فمثلاً ,في عصر رمسيس الثاني ملك مصر ,كان لا أحد يجهل من هو رمسيس الثاني حتى ولو كان جاهلاً ,والآن إن سألت الجاهل في عصرنا عن رمسيس الثاني سيقول لك من هو هذا الشخص ؟
وهذا هو الزمن ..عيبه وميزته في نفس الوقت.
إنتهيت من تأملاتي بين أرفف الزمن ,وأرفف التاريخ ..ونظرت إلى من حولي ..وقلت : كل شيء هالك إلا وجه الله ..كل شيء فاني ومنتهي ..تلك اللحظة وما سنمر بها ستنتهي مع الزمن ..
ماضينا وحاضرنا ومستقبلها سينتهي ,سيأتي بعده ماضي أخر وحاضر أخر ومستقبل أخر..
وستمر تلك الدورة إلى أن يتوقف الزمن ..والزمن لا يتوقف إلا إذا أوقفه الأبدي فوق كل الأزمنة والأمكنة وهو الله ..
ألم تعتقدوا بعد أن التاريخ ممتع ؟؟
أنا أعتقد هذا ,لإنه يمدني بالأمل للغد ولبعد الغد.
هيثم ممتاز
-
هيثم ممتازبين الجهل والمعرفة شعرة واحدة ,وهي القراءة.