إذا أردت أن تعرف الوطن... فاستوطن كرسيا داخل مقهى... - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

إذا أردت أن تعرف الوطن... فاستوطن كرسيا داخل مقهى...

مقال

  نشر في 07 غشت 2015 .

إذا أردت أن تعرف الوطن... فاستوطن كرسيا داخل مقهى...

هي ذي الشوارع والدروب في المدينة، تمتد وتتشابك كأعضاء غول أخطبوطي رهيب، وها أندا أضرب فيها شاردا وملء قلبي لا أستبين مصدره أو فحواه... الأقواس والحيطان مازالت كما كانت بصور الحاكم وبالأضواء الملونة واللافتات المجسدة...

غير أنها، في مدى كربي ومسعاي أضحت ما ألتفت إليه وأراه، بل هي الآن عندي والعدم سيان. والناس، حتى الناس لم يعد في خاطري متسع لأفواجهم وطوابيرهم؛ فليتكاثروا عبثا إن شاؤوا، وليهرموا ويغنوا عبثا إن شاؤوا...

دخلت مقهى عصرا وشربت فيه واقفا قهوة حادة، لعلها تلطف مزاجي بعض الشيء...

المقهى: فضاء شعبي مرمي على قارعة الشارع، بأمتار محدودة وكراسي معدودة، وشخصيات معكرة. تقتعد في جلسات تفاوض مستمر، حول حصصها من تدخين الكيف ومشتقاته، وشرب الشاي والقهوة المرة... والوهم اليومي وحقن العقل بإبر كرة القدم... فتختلط أدخنة كل شيء بأبخرة الثرثرة والحكي... وبمختلف ألوانها وأصواتها الممتدة مثل غابات ملتبسة..

جميعهم يفيضون من متاهة النهار، ثلثا ظنيا، وأطرافا غير متساوية من الليل للدخول إلى المقهى، يبحثون عن ربط وجودهم بيقين الحياة، في تناوب فادح على الحكي...

صمت ضائع... مداد سريع الزوال... روح تتلوي ولا تفنى... فخ فوق التراب... فرصة لتحكى ما لن تعرفه أبدا...

جميعهم يحسون بحاجة للدنو من جمعهن، حين يبصرون فتاة أسيلة الخد ذات سوالف طويلة وفاحمة... ينتابهم اختناق ثم انفراج وتيه... وهم يتأملون الواقف العائم وسط نهر الشارع، تبدو لهم كأنها تغسل الصوف مع عجائز وحرائر متعبات... يجلسون على صخرة العدم يفركن الأيادي... لإثارتهم لجريمة متبادلة ومتفق عليها...

العواء الجريح، ذاته، الذي يتسرب إلى الآذان مثل شعاعات الشمس... لم يكن قط لذئب، رغم كل الشباك والفخاخ والكمائن، فإنه لا جدوى من البحث عن صاحب الصوت الذي اختار صلاته في خمسة أوقات... فاتحا حوض القيامة أو حوض التوبة من خطايا هذا العالم؟ كبسَ نظراتهم خانعا شريعة خيالهم، راسما بريشة صرخته الجميلة، منذ أربعة عشر قرنا ونيف، من وقوف الحور وسط النهر يغسلن الصوف... فهن الهدية... وهن السبيل في الأخير...

خرجت مهرولا، عائدا إلى مفزعي، إلى البادية، حيث أسترجع معاييري وضوابطي في التحرك والإنفاق...وهنا تذكرت بجلاء وإلحاح الوعد الذي قطعته على نفسي في مقال سابق:

- إذا أرت أن تعرف الوطن... استوطن كرسيا داخل مقهى...

سعيد تيركيت

الخميسات - المغرب - 06 / 08 / 2015 


  • 3

   نشر في 07 غشت 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا