الإهانة , الظلم , التجبر , الذل ,الاستعباد مترادفات سطرت معاناة الشعوب خلال التاريخ البشري الطويل وعلى مر العصور والحقب الكثيرة , وربما عصرنا الحديث الآن حاز على جائزة الأوسكار في تطبيقه الحرفي لكل معاني العار والخزي والظلم واغتياله لكل سلوكيات وممارسات الحرية البشرية , تنصل العالم من فطرته الإنسانية وضميره البشري هي النتاج الطبيعي لكل ما يشهده اليوم من قهر واستعباد وإحراق لكرامة الشعوب وإهدار لأحلامهم وانحياز للظلم والظلمة .
كبلتنا الأنانية وحب الذات والسعي وراء الماديات مما جعلنا من أنفسنا أرخص السلع فأهدرت كرامتنا من أجل لقمة عيش أو قطعة ثياب رثة بالية , نشحذ حقوقنا ونتنازل عنها تارات كثيرة , أصبحنا ندخل ضمن صفقات ربحية تتاجر فيها الطغاة بأعراضنا و أروحنا وضمائرنا وتستهتر بعقولنا وتحط من إنسانيتنا وتقلص أحاسيسنا واضعة إيانا في مفترق طرق بين العبودية الأبدية أو التشرد و الموت , بين ذل المعيشة أو عدمها .
لقد تقوقعنا على أنفسنا صانعين منهم جبابرة بذلك رضينا بالذل فطغوا خنعنا لهم فسلبونا , ارتمينا في أحضان الطغاة باسم الوطنية والسمع والطاعة ,عبدناهم وقدسناهم صنعنا منهم لاهوت لا يعصى أبدا , فأصبح المظلوم يحتاج إلى " سوبرمان " وقائل كلمة الحق خائف من قطع لسانه , وصانع الخير مبتورة يداه , وحامل القضية مغتال لا محالة , بيعت الحرية تحت مظلة الحرية واغتيلت الأوطان باسم الوطنية , وهدرت الكرامات باسم الحقوق والواجبات , وضعنا أنفسنا داخل حالة من اللاواعي، موهمين أنفسنا بأننا ننعم بكل سبل الحرية لتتكشف لنا مدى سذاجتنا وتخبطنا الفكري وعدم فهمنا الصحيح لواقعنا .
لقد روضونا الطغاة عبثوا بجيناتنا الفكرية ليسلخوا منا قيمنا , ديننا , عزة أنفسنا لننشغل بصراعاتنا عن غيرنا لنستبيح الدماء والأعراض , لندخل فيما بعد بمرحلة أكثر تطور , مرحلة موت سريري لضمائرنا , فنرى إخواننا يحيط بهم الظلم من كل مكان من حكومات طاغية إلى قوانين تعسفية مخجلة ومعيبة , إلى تشرد ومآسي حرب, إلا أننا مشغولين بتقديم القرابين لفراعيننا , والتهليل والتسبيح لجلادينا , فهل نحصل على الحرية ببناء تمثال للحرية ؟! .
الحرية ليست قدر , الحرية اختيار , و إن أحوج ما نحتاجه اليوم لفك قيودنا وتحررنا من العبودية ليس تمثالاً للحرية , ولا رموز واهية , ولا شعارات عقيمة ولدت من بطن الاستعباد, ما نحتاجه هو ثورة فكرية , ثورة عقول لا أسلحة , فهم كامل لعقيدة الحرية ورؤية واضحة لتطبيقاتها عملياً , ترسيخ لأساسيات النهضة وعوامل بناء الأمم , نزرع بذرة الأمل لنحصد غداً حرية , حينها يبنى وطن حر بداخله أبناء أحرار لا يقبلون الظلم لا على أنفسهم ولا على إخوانهم بالدين أو بالعروبة أو بالإنسانية .
آيات ملحم