تمهل نحن لسنا معلبات ..!! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

تمهل نحن لسنا معلبات ..!!

  نشر في 18 أكتوبر 2015 .

بقلم الكاتب المحامي : إيهاب ابراهيم -


منذ مدة قريبة وبينما كنت خارجاً من باب القصر العدلي صدفت أمامي بقليل محامية زميلة كانت تقوم بالسلام على زميلة أخرى يبدو من هيئتها أنها مستجدة ووافدة على عالم المحاماة والقانون بمشاغله وهمومه ويقف الى جانبها رجل مسن تبين لي فيما بعد أنه والد الزميلة الجديدة .

كنت سائراً ببطءٍ شديد حين كانت أفكار متناقضة تعصف برأسي المكفهر المشوش وحيث صادف مروري بقربهم عندما كانوا واقفين يتجاذبون أطراف الحديث التقليدي وبعد لحظات قليلة ودعوا بعضهم وتابعت الزميلة الجديدة ووالدها المسير خلفي ووصل الى سمعي هذا الحديث المقتضب الذي دار بين الأب وابنته أستاذة القانون ومن دون قصد في إستراق السمع حتى لا ينعتني أحد بالمتلصص او الحشري فتناهت الى مسامعي هذه العبارات بين الإثنين :

سأل الأب ابنته المحامية من هي هذه المحامية التي وقفنا معها وما أسمها ومن أين هي .. او شو هيي كما يقال بالعامية ..!!

الإبنة مخاطبة أباها إنها زميلة لي وتدعى .. جورجيت .. او جوزيفين .. او مارغريت .. لا أعرف بالضبط ولكني أعلم أنها من إخواننا المسيحيين ..

الوالد مجيباً بفهلوة وحذاقة واضحة في صوته .. يبدو هذا واضح من إسمها .. الإبنة المحامية مستدركة وكأنها إقترفت ذنباً عظيماً .. ولكنها يا والدي طيبة القلب جداً (وكتير كويسة) كما يقال بالعامية..

بعدها لم أعد أسمع من حديثهم شيء كونهم ابتعدوا عني وبسبب الضجيج والإزدحام وأصوات السيارات والمارة لذلك فقد إنقطع ذلك الحديث العتيد..!

بعدها ولدى عودتي الى مكتبي أخذت أفكر بذلك الحديث الذي دار بين الأب وابنته المحامية .. ودارت في خاطري العديد من التساؤلات والإستهجانات .. أبعد كل هذه الأحداث وهذا الخراب الذي حل ببلدنا وأمتنا وما زال هنالك الكثيرين ممن يتحدثون بهذه العقلية والذهنية المتردية ..!!!

مازال تصنيف الناس وتعليبهم ضمن معلبات مزروعاً في لاوعينا وثقافتنا الهزيلة الضحلة مازلنا نتحدث بلغة طائفية عند الإشارة الى شخص ما ونقوم بتقييمه بناءاً على عقيدته وطائفته وما الى ذلك من تبعات أخرى وخاصة من أشخاص متعلمين يفترض فيهم الوعي والإدراك ..

آلم يحن الوقت للتخلص من تلك الرواسب التي زرعها حكماء بني صهيون منذ مئات السنين والتي لطالما كانت سبباً في خراب أي بلد وأي أمة .. إن تلك الثقافة المشوهة التي ورثناها في جيناتنا ولاوعينا الجمعي ما تزال ضيفاً ثقيل الظل يحل قابعاً في ذاكرتنا السوداوية فلا زال الكثير منا عند لقاءه شخص ولأول مرة يبادره بالسؤال التقليدي في مجتمعاتنا المتخلفة آلا وهو ..

من أين أنت .؟؟!! ( where do you come from ) والذي يحمل في طياته ذلك السؤال المبطن (ما هي طائفتك) وبماذا تدين او تؤمن.. ببوذا او كريشنا أم اهورامازدا .. يهوه ام المسيح ام إله الإسلام ..

إن هذا الأسلوب في التعاطي مع بعضنا البعض يكرس لتلك الطائفية البغيضة ويغذيها الى أبعد حد فما لنا ولأولاءك الأخرين ومعتقداتهم وألهتهم طالما هم أشخاص طيبوب وأخلاقيون فكرياً وسلوكياً .!

فنحن بهكذا تصرفات وسلوكيات نصنع سداً منيعاً في وجه التواصل بين البشر على أساس إنتمائهم الديني لا على أساس ما يحملونه من فكر وأخلاق ووعي إجتماعي فلا بد أن نكون أكثر وعياً وإنفتاحاً على الآخر الذي يشاركنا هذه البقعة من الأرض طالما أنه يحترمنا انسانياً وإجتماعياً بغض النظر عن معتقداته وميوله طالما أنها لا تؤذينا وتقيد من رأينا وسلوكنا ... علينا أن لا ندع عقولنا رهينة ولعبة يتم العبث بها من قبل أصحاب المصالح الخبيثة والسوداوية والتي سادت في فترات الإستبداد والقمع الفكري والسياسي الذي لعب دوراً وكان عاملاً مساعداً في التفرقة الطائفية وتغذيتها سعياً وراء تكريس حكمه وخدمة مقصودة او غير مقصودة لحكّام العالم الخفي ..

فالإنسان منا يولد ويرث مجموعة من الصفات الوراثية والجسمانية والسيكولوجية لا يد له فيها ومن ضمن ما يتلقاه او يرثه بالتبعية هو عقيدته وصبغته الدينية التي لا يد له فيها أيضاً فيحملها تبعاً لدين آباءه وأسرته وبالتالي فهو شخص متلقي لم يكن له حرية الإختيار .. كما أنت عزيزي القارىء.. في قبول او رفض ذلك في مراحل عمره المبكرة ولذلك لا يمكن محاسبته على أمر لا إرادة او خيار له فيه لا من قريب او بعيد .. فقط يمكن محاسبة الشخص على سلوكه الاجتماعي والإنساني في علاقته مع الأخرين او مع السلطات الحاكمة في البلاد .

إن تلك النظرة الضيقة والمغلقة في التعاطي مع الأمور والأشخاص لا يكرس لبناء مجتمع مدني ووطني حقيقي متماسك ..فإذا استمرت هذه النظرة او الثقافة المشوهة في لاوعي الأجيال اللاحقة والمتعاقبة لن تكون عاملاً إيجابياً ومساهماً في تقدم المجتمع والأمة بل على العكس ستكون عاملاً سلبياً في تأخرنا وتراجعنا الى الوراء .

لذلك فعلينا نحن كأفراد ومجتمع ولجان حقوق إنسان ومجتمع مدني وحتى هيئات حكومية ومؤسساتية العمل معاً وبخندق واحد عبر ندوات ومحاضرات وعبر وسائل إعلام وصحافة لتكريس مفهوم الحس الوطني والأخلاقي للمجتمع ككل ليكون الولاء للوطن قبل الطائفة والعشيرة وهذا يتطلب إجراءً قوياً وحاسماً وذلك عبر إلغاء كل ما يشير الى طائفة الشخص في كل أدبيات ودساتير البلاد وقيود السجلات المدنية يجب نزع ما يسمى بحقل وخانة الدين والمذهب وكل ما يشير الى طائفة الفرد ولو تعارض ذلك مع القواعد الدينية وما الى ذلك.. لأن الإنسان أهم ما في الوجود فهو يعلو ولا يُعلا عليه ..

حان الوقت ليعامل فيه الشخص بحسب سلوكه وإلتزامه القانوني والأخلاقي وبغض النظر عن خلفيته الدينية او الإثنية ولندع تلك الأحكام المسبقة وراء ظهورنا وليكن لكل منا الحق في الإعتقاد او الإيمان او الإلحاد والإختلاف على اعتبار أنه شأن خاص وداخلي يمس الشخص وحده .

وفي الختام لا بد من الإشارة الى أننا لسنا ضد أي شخص او أي معتقد او طائفة .. فهذا الإعتقاد والإيمان من عدمه شأن خاص بالفرد ومن هذا المنطلق لا يجب تعميمه على الأخرين بالقوة والغصب فالمهم هو إلتزام الشخص بالقواعد العامة والأنظمة والقوانين واحترامه للأخرين بكل اختلافاتهم وتناقضاتهم الواقعية ..

اللاذقية 28\11\2013

 www.facebook.com/ihab.ibrahem.54

www.twitter.com/ihab_1975

e.mail:ihab_1975@hotmail.com

gmail:ihabibrahem1975@gmail.com


  • 3

   نشر في 18 أكتوبر 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا