في بلدنا فرح
وصف ساخر لعادات العُرس في قريتي .
نشر في 30 شتنبر 2017 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
في بلدنا تلمع الملابس بألوانها الزاهية أيام العيد وأوقات الأفراح وغير ذلك فهي باهتة لا يهتم أحدٌ بها إلا القليل ، فلا عجب لو وجدت قاعة العُرس ممتلئة عن آخرها بأناسٍ لا تعرفهم ولا يعرفهم أصحاب هذا العرس أنفسهم ، فرغبتهم المُلحة بالظهور بأفضل هيئة دائماً ما ترافقهم كعادة باقي الناس ، ولو سألتهم لماذا تحضرون العُرس ستكون إجابهتم " هنفرح معاهم " ، لا مشكلة ، دعهم يفرحون ، فالمشكلة آتية لا محالة بعد قليل .
وتبدأ بدخول العروس قاعة الاحتفال ، والعريس ؟ لا ، العريس منتظراً بالخارج ليُفتح له الباب ويدخل ، حفلة استقبال خاصة أمام العريس بالنيران يقدمها أربعة أشخاص يحملون المشاعل في أيديهم ، يدورون مُكونين مثلثات ومستطيلات ومتوازيات في حركة منتظمة تستمر لحوالي خمسة دقائق ، ثم يُسمح للعريس بالعبور للجهة المقابلة حيث يجد عروسه في انتظاره وأخيراً يمسك يدها ، وهنا يجب أن تسدَّ أذنيك جيداً ، فصوت الزغاريد سيصيبك بالصمم ، وأخيراً تجف حلوقهن التي لا يُعييها شيءٌ ويتوقفن وتبدأ فقرة خاصة للعريس ، لو كنت أصيلاً من أولاد البلد ستعرف ما يناله العريس من أصحابه وجيرانه وأحبائه بم يُعرف ب " التوجيب " ، لمدة الربع ساعة متواصلة والمسكين لا يعرف من أين تأتيه كل هذه المحبة ، فهو مُحاط بكل من يعرفه ومن لا يعرفه ، وينال إذن العفو ويعود أدراجه للجلوس بجوار عروسه على " الكوشة " بعد إرهاقه وتعب من حوله ، ذاهباً للعروس وفي قرارة نفسه يلعن اليوم الذي دعا فيه هؤلاء الناس لحضور فرحه . وقت الجلوس على " الكوشة " بالنسبة للعريس هو وقت الراحة من الرقص الغالب طوال الوقت ، وبالنسبة للعروس فهو وقت التكدير ، فهي حتى الآن لا تصدق أنه وقت زفافها وتسترد وعيها وتصحو بالرقص فقط مع صحباتها ، فلا حيلة للعريس إلا أن يتركها تذهب بعد جدال ربما يطول أو يقصر .
الآن فلتحبس أنفاسك ، ولتفتح عينيك جيداً ، لتشاهد العرض السحري القادم ، إنه وقت " البيبسي " ، نعم ! ماذا تقول ؟ ، فعلاً إنه عرض البيبسي لأحد هؤلاء المبدعون الأربعة ، يحمل فيه صاحبنا صينية عليها كوبين بيبسي ويظل لمدة دقيقتين فتى الشاشة الأول ، يرفع ويخفض الصينية في حركة ترددية لأعلى ولأسفل ، مُستحوذاً على تركيز " الكاميرا مان " ذلك المُبدع هو الآخر ، الذي يندمج معه ، يُقرب ويُبعد ويُحرك الكاميرا يميناً ويساراً كي لا يفوته أي زاوية ممكنة لتصوير كوبي البيبسي ، وأخيراً يُعطى الكوبين للعريس وعروسه ليسقي كلُّ منهما الآخر رشفة لا يظمأ بعدها أبدا ، انتهوا أخيراً ؟ فليرقصوا إذن سوياً على أصوات الفنانة إليسا أو الفنان الرومانسي أحمد فهمي ، تتلألأ العيون وتلمع ، ما بين حالماً باللحظة هذه وما بين متسائلاً عن ماذا يقول العريس لعروسه في هذا الوقت بالتحديد ، والغريب أن كل من سألتهم من قبل ممن تزوجوا حديثاً هذا السؤال كانوا يقولون نفس الشيء " هتقليهم دلوقتي يموتوا ويعرفوا إحنا بنتكلم في إيه " ، وتنتهي الرقصة بتصفيق حار من الحضور الكرام ، ثم .. أحسنت إنه وقت الجاتوه .
يُعطى العريس ساطوراً وكأنه جزار ويُؤمر بتقطيع الجاتوه فيشمِّر عن ساعده ويبدأ باسم الله ، أما العروس فدورها مهم جداً هنا ، رغم أنها لا تشاركه عملية الذبح والسلخ هذه إلا أنَّ دورها محوري في هذا الوقت بالذات ، فهي تقف خلف العريس مباشرة واضعة سبابتها على فمها ، آخذة وضعية " اصمت ولا تُخبر أحداً " ، وعلى حين غرة يُعطى لها الإشارة فجأة فتقبض على عنق عريسها ، ويا لسوء حظه لمن تزوج بغبية ، سيكون ضحيتها اليوم ، وأقلُّ الخسائر أنه سيفقد قدرته الإنجابية من " الخضّة " ، مسكين لم يكن يعلم ما بانتظاره ، بعد تقطيع الجاتوه ، جلسة تصوير أخرى أطول من سابقتها ، تتشابك فيه أصابعه وعروسه مكونة كل الأشكال الهندسية والغير هندسية التي تعرفها والتي لا تعرفها ، مُتشابكة كحية تتلوى ، لتصوير الأصابع فقط وإبراز الدبلة والخاتم ، يعود بعدها العريس وعروسه إلى " الكوشة " ثم .. لا شيء يعلو فوق صوت الجاتوه .
من كان يرقص بقوة وعنف يُصاب بالشلل فجأة ويبحث عن أقرب طاولة له ليجلس عليها ، الأحباب والأصدقاء والجيران يُصيبهم الروماتيزم فجأة فيلتفّوا حول الطاولات في انتظار مرور الجرسون بهم ومنحهم قطعة الجاتوه ، وهو في شغلهم هذا يرددون بأصوات لا تسمعها بأنه وقت إنه وقت الفرح الحقيقي ، هكذا كانوا يرددون بدون صوت ، أما العريس والعروس لا ينالهم نصيب من الأكل ، يحملقون في الحضور بعيون تملؤها الحسرة على آلاف الجنيهات التي دُفعت . ما بين جلسات تصوير غريبة ورقصات أغرب ، ينقضي الفرح ويذهب كل واحد لحاله ، إلا لو كان لمال العريس رأي آخر ، إنه وقت الراقصات النصف عرايا ، تصفير وتصفيق حار ، فالجمهور الآن قد تم إثارته ، وتستطيع بحاسة شم قوية أن تشم رائحة التستستيرون تحوم في المكان ، الكل يلتف حول الراقصات ليشاهدوا أدق تفاصيل عرضهم ، بالطبع فالتفاصيل مهمة جداً عند شعب مُتدين بطبعه ! ، فقرة الرقص أهم ما يمكن أن تسعد به في العُرس على الإطلاق ، هكذا يهمهم الحضور وقت الإنصراف ، مرددين في كل مرة أنه أحسن عُرسٍ حضروه في حياتهم .
آلاف الجنيهات ذهبوا هباءً لقضاء ساعتين من الهزل والهراء والمناظر التي تثور لها الأعصاب ، هذه بلدي وهذه هي الأفراح عندنا والعقبى لكم .
-
م / أحمد عليإن آمنت أنّ التميز لا يأتى عبثاً ، وأنه الاجتهاد وحده هو من يصنع الفارق ، إنْ كنت أفلاطونياً فى مخيلتك ونيوتن فى واقعك ، فمَرْحَباً بك هنا يا صديق . يمكنك إضافتي هنا https://www.facebook.com/profile.php?id=100004447519100