رسالة بتوقيع : (ابنكِ المجرم) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

رسالة بتوقيع : (ابنكِ المجرم)

ثمرة التفريط الندامة وثمرة الحزم السلامة.

  نشر في 30 شتنبر 2017 .


كان طلبه الوحيد قبل إعدامه : ورقة وقلم ليكتب رسالة إلى أمّه .

                             

                                           رسالة بتوقيع : (ابنكِ المجرم)

بعد الطفل الشهير (جورج سيتيني) (14سنة) الذي أُعدم بالكرسي الكهربائي سنة 1944 بالولايات المتحدة الأمريكية والذي وبعد فوات الأوان بسنوات سيُبرّأُ تماما من تهمة القتل العمد ، يأتي الدور على ثاني أصغر طفل لا يتعدّى الخمسة عشرة ربيعاً ليواجه نفس المصير في نفس البلد ، طبْعاً لن نناقش في هذه السطور حيثيات الحكم و لا القرائن القانونية التي أُدين من أجلها هذا اليافع الأمريكي ، و لكن سيتمّ التركيز أساساً على رسالة جدّ مؤثرة تركها لأمّه قبل لحظات من إعدامه حيث وضع - أسرته من خلال والدته المُقصّرة في تربيته - في قفص الاتّهام .. وقبل مناقشة مضمون هذه الرسالة هذا نصّها حرفيّاً :

أمّي الحبيبة :

أعتقد إذا كانت هناك عدالة حقيقية في هذا العالم ..

لكنتِ مثلي تماماً .. محكومٌ عليكِ بالإعدام..

فأنتِ مذنبةٌ مثلي تماماً..

بلْ و أكثر منّي في هذه الحياة المليئة بالبؤس و الهوان..

هل تتذكّرين يا أمّي ؟ تلك الليلة التي دخلتُ فيها المنزل و معي دراجة سرقتها

من طفلٍ آخر و قد ساعدتني في إخفائها كيْ لا يراها أبي عند دخوله المنزل..

هلْ تتذكّرين يا أمّي ؟ عندما سرقت نقود جارتنا حيث ذهبتِ معي المركز التجاري

و اشْترينا معاً كلّ ما أردناه..

هلْ تتذكّرين يا أمّي ؟ حين سرقت الامتحان النّهائي وأنتِ ساعدتني في حلّه

وكانت النتيجة أنْ طردوني من المدرسة..

لقد كنتُ وقتها مجرّد طفل و بعدها مراهق مشوّه نفسيّاً وسيّئ الخُلُق..

كنتُ مجرّد طفل بريء يحتاج لتقويم و تهذيب و تصحيح هفواته و أخطائه..

لا لأمٍّ توافقه على كلّ أهوائه : إلى أنْ وَصل بي الحال لهذه الدّرجة..

إنّ الأباء يا أمّي همُ المسؤولون الأوائل عن سلوك أطفالهم و تصرّفاتهم ..

كذلك هم المسؤولون عن تكوين النّشْء :

فإمّا أن يكون نشْئاً مهذّباً أو يكون بلطجيّاً و مجرماً..

شكرا لكِ يا أمّي على إعطائي الحياة.. و شكراً على سلبِها منّي مرّةً ثانية.

توقيع ابنكِ المجرم

أكيد أنّ معظم من سيقرأ هذه الرسالة وهي في الرّمق الأخير من حياة طفلٍ سيعانق الموتَ إكراهاً ، أكيد أنّه سينحازُ إليه عاطفّيّاً ليس فقط لأنه سيُعدم بل لأنه هو الآخر ضحيّة (مجتمع) بصفة عامّة و ضحيّة (أسرة) بصفة خاصّة ، و هنا مربط الفرس : سيقول قائل : ليس هناك من أسرة تتمنّى أن ترى أطفالها مجرمين ؟؟ هذا صحيح إلى حدٍّ بعيد .. ولكنّ الحقيقة أحيانا يترجمها واقعٌ آخر تتحمّلُ فيه الأسرة كامل المسؤولية عن سلوك أطفالها اليافعين ، فالأمّ مثلاً وكما جاء في الرسالة كانت توفِّر غطاءاً لبعض الأفعال المشينة لوَلدها ، فهي من دون أن تشعر تتحوّل إلى (عرّاب) مُلْهِم لمغامراته فَتجده أحياناً يقوم بالسّرقة بدافعٍ غريب وهو أنْ يستميلَ المزيدَ من إعجابِ أمّه أو أيْقونته ، بينما- وهذا هو الخطير في الأمر - تراه محتاطاً من الطرف الآخر أي الأب الذّي سيصبح مع مرور الوقت يشكّل عنصرَ بغْضٍ باطنيٍّ لطفله العاشقِ للتّمرد والمحْبِّ للطيش فهو لمْ يُدرك بعد قيمةَ أن يكون الأبَ مثاليّا فالمثاليّة بالنسبة له تختزلها أمّه التي تشاركه أفعاله و انفعالاته سلباً أو إيجاباً ، وعندما نقول أن الأمّ توفّر التغطيّة السلبية لولدها فهذا يعني أنّها تحقنه بمصْلٍ خطير إسمه (الغنج و الدّلال) فالتربية القائمة على هذا النوع من السلوك تأتي بنتائج وخيمة سواء على شخصيّة الطفل أو على مسار الأسرة فكما يقول المثل العربي : ( من أدّب ولده صغيرا سرّ به كبيرا ) و التّأديب ليس معناه الغِلظة المفرطة ولا التّقريع المؤْذي للنفس ، بقدر ما هو تأديبٌ و توجيه يتماشى مع حجم الطفل جَسَدِيّا و نفسِيّاً .

في واقعنا المُعاش و خصوصا فيما يتعلّق بالبيئة التربوية لعالمنا العربّي نجد أنّ كثيراً من الآباء يشتكون من تصرّفات أو لنقول من عقوق أبنائهم لهم بل و تجد أنّ بعض الأبناء داسوا كلّ الخطوط الحمر مع آبائهم نتيجة عوامل كثيرة لعلّ أبرزها تقصير هؤلاء الآباء في تربيتهم في سنٍّ مبكّرة ، فهم يشتكون دون أن يدركوا أنّهم هم السبب الحقيقي لهذا العقوق حيث جاء في الأثر : (ملعونٌ من استعقَّ ولدَه) أي حَمَلَ ابنه على عقوقه بسوء المعاملة أو قصّرَ في تربيته أو بهضم حقوقه .. و أعتقد أنّ الطفل صاحب الرسالة أعلاه كان يشير إلى هذا المعنى وهو يختتم رسالته قائلا : شكرا لكِ يا أمّي على إعطائي الحياة و شكراً على سلبِها منّي مرّةً ثانية.. طبْعاً و كان الإمضاء بعبارة : (توقيع ابنكِ المجرم) و كأنه يرديد أن يقول : هذا ما جنتْهُ أمّي عليَّ و ما جنيتُهُ على أحد !!!

ذ :تاجموعتي نورالدين


  • 7

  • تاج .. نورالدين .
    محام سابق- دراسات في الفلسفة والأدب - متفرغ الآن في التأليف والكتابة .- محنك في التحليل النفسي- متمرس في التحليل السياسي- عصامي حتى النخاع- من مؤلفاته :( ترى من هذا الحكيم ؟ )- ( من وحي القوافي ) في ستة أبواب وهو تحت الطبع .- ( علم ...
   نشر في 30 شتنبر 2017 .

التعليقات

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا