خاطرة6:

قضيت  فترة النقاهة بالمنزل قرابة سنة ينتابني الحزن تارة نظرا لتأخرى سنة عن زملائي والملل تارة أخرى من طول تلك الفترة وعدم إعتيادي على راحة طويلة الأجل كهذه فشغلت نفسي بتأليف الشعر وقد كتبت في تلك الفترة بعض القصائد الشعرية وكان من أهمها بل وأقربها إلى قلبي "قصيدة طريق الهدى" فقد كتبتها كتعبير بسيط عن شكري لله تعالى وإمتناني له عن كرمه العظيم وإحسانه الوافر بعد أن أنجاني بفضله وعونه وقد كان لتلك القصيدة أولوية في ديواني الشعري الوحيد المعنون ب"الغريب" ..ومما ورد فيها:

إمشي في طريق الخير وكون مع ربك

اللي بيرزق الطير وعالِم باللي فى قلبك

أنا ضعيف ومين يقويني ومين يخليني اتحمل مرار سنيني

مين غيره ينصفني"الله"

مين غيره ينقذني"الله"

هو اللي مصبرني على ألمي وجراحي

بعد ما كان حزني منسيني أفراحي

قدر الله أن أكتبها بقلب صادق ووجدان حي وقد كان هذا حال كل ما كتبت من أشعار ولكن تلك الحالة كانت خاصة لا أظن  ثمة تشابه بينها وبين غيرها كما ترددت أيضا على قصر الثقافة للجلوس مع أ.منى "أستاذتي" والإستمتاع بحديثها النافع الذي حمل بين ثناياه خبرات إنسانية وفنية متنوعة.

لم يكن لي أصدقاء بكل ما تعني كلمة الصداقة قد يعود الأمر لما حييته من إنطواء أو ربما لم أجد من يصلح كصديق لي بحق وأنا أرجح الإحتمال الثاني فما كان يشغل أذهان من كانوا في مثل مرحلتي العمرية"الجنس الآخر" نظرا لماهية تلك الفترة وهي ذروة فترة المراهقة وقد كان لهذا الإهتمام صور شتى لا يتسع الحديث لذكرها كما أنها معروفة بل ومكررة ليس فقط في الإطار العمري لتلك الفترة بل إتسع مجالها وطالت مدتها نظرا لما حوته وسائل الإعلام من حث مريض وتحريض حيواني صريح لتحويل هذا الإحتياج الفطري الشريف للطرف الآخر إلى صراع شهواني دنئ وقد بدى ذلك صارخا في الأفلام والأغاني والفيديو كليببات وما زال.

كانت الوحدة خير صديق لي من مخالطة أناس يحملون عقولا لوثتها تلك الأفكار..لا أنكر ما بهم من خير ولا اتصورهم مخطئين دوما وأظن نفسي معصوما معاذ الله..فكلنا مخطئون..هم أخوة لي في الإنسانية وزملاء لي بحكم الضرورة لكنهم ليسوا أصدقاء.

ظللت هكذا بلا أصدقاء بل وفقدت الأمل في إيجاد من هم مثلي أو على الأقل من يشاركني في بعض الصفات الشخصية إلى أن وجدتهم ولله الحمد وكانت صلتي بأحدهم وثيقة لما كان بيننا من تقارب كبير في الثقافة والإهتمامات ولكن لم تطل صداقتنا العميقة في تلك الفترة نظرا لإنشغالي بكابوس الثانوية العامة لاسيما في ظل إنتسابي إلى دفعة الفراغ تلك المجموعة التي بذلت قصارى جهدها في البحث عن دروس خصوصية لكلا الشعبتين علمي/أدبي وعانت كثيرا لما وجدته من رفض بعض المعلمين حينها نظرا لقلة عددهم ومن ثم قلة رواتبهم الفلكية وكذلك تصورهم الخاطئ عن سمعة تلك الدفعة من تواجد طلاب راسبين بل ومشاغبين أيضا ونسوا أن بها أيضا وافدين من بلاد أخرى ومن هم في مثل حالتي كالمرض.

ظل الحزن داخلي من مثل هذه الظروف إلا أن الله عوضني خيرا كثيرا لم أكن أعلمه فقد قدر أن ألتحق بكلية الإعلام بتقدير أقل بكثير من التقدير الشائع في السنوات العادية ولكنها حكمة الله تعالى أن يجعل في تأجيل تلك السنة خير كبير لم أكن أدركه بعد.