السلطة تعري الاقنعة المزيفة وتكشف معادن الناس ؛ وصدق من قال : ( اذا اردت ان تعرف اخلاق بعض البشر ، ضع في ايديهم السلطة ، ثم انظر .. كيف يتصرفون - مباشرة تسقط الاقنعة والطيبة المفتعلة - ، ويظهر الوجه القبيح الذي اختفى وراء الشعارات الكاذبة لسنوات طويلة ...) .

ان هذه الشرذمة من الحكام والساسة والمسؤولين الذين تغير المناصب طباعهم واخلاقهم ... , ينطبق عليها قول الامام علي : (( من اعطي فوق قدره تنكرت للناس اخلاقه )) اذ ان الشخص الرخيص والانسان التافه يرى المنصب والمال والكرسي اعلى من شخصه وفوق قدره واعظم من ذاته وثقافته وعاداته وتقاليده ودينه و عرقه وقوميته و وطنيته وتاريخه وحضارته ... ؛ لذا تراه يرتع في وحل العمالة للأجنبي والخيانة والفساد والاجرام والارهاب والفشل والجبن والتردد والهزيمة والعار ... , وتتغير اخلاقه وتتبدل صفاته ؛ ولعل التعبير العراقي الدارج يليق بهذه الشرذمة الدونية الحقيرة : (( لبس وجه جينكو )) كناية عن قلة الخجل و انعدام الحياء والصلافة والحقارة والتكبر الفارغ الذي يصيبهم بعد اعتلائهم الكراسي وتسنمهم المناصب .

والعجيب في امر هؤلاء المسوخ ؛ انهم يسمعون ما يفرض عليهم وما يرغبون بسماعه ؛ ويغلقون آذانهم عن ما لا يستطيعون فعله او ما لا يرغبون بسماعه ؛ لذا تعد خطوة تغيير رقم الهاتف اولى خطواتهم المنكوسة ؛ بل ان البعض منهم ينقلب على الكتلة التي رشحته ودعمته ؛ طمعا في اموال غيرها لا حبا في الوطن ... ؛ ثم تتبعها خطوات تغيير السكن وطريقة العيش , واستثمار الاموال السحت في الخارج , وتأمين المصالح العائلية والشخصية الضيقة , والسعي للحصول على جنسية اجنبية ... الخ .

والمشكلة تكمن في استمرارية هذه المسرحيات السياسية المشبوهة وهذا النهج المنكوس ؛ فالسلطة طالما استقرت في ايدي العاجزين والخونة والضعفاء والمنكوسين ... , وبقدر ما يكون هؤلاء ضعفاء وجبناء امام الغرباء الاقوياء ؛ وعملاء للقوى الاجنبية , بقدر ما يمارسون التكبر والاستعلاء على العراقيين الاصلاء ؛ وصدق الامام علي عندما قال في هؤلاء : (( ما من أحد يتيه إلا من ذلة يجدها في نفسه - كل متكبر حقير - لا يتكبر إلا وضيع خامل ...)) ولعل هذه المثالب الذميمة والسمات الخسيسة رافقت شخصيات الحكومات الهجينة ولاسيما اوغاد البعث وانذال تكريت وهمج العوجة ؛ الا ان الملفت في الامر ؛ شيوع هذه العدوى بين اوساط بعض قيادات وساسة الاغلبية العراقية الاصيلة ... ؛ ولا ادري علاما يتكبر هؤلاء وبماذا يفخرون ...؟!

وها هو الامام علي يوصي بعض اتباعه بعدم التكبر على اخوته وبني جلدته ؛ قائلا : (( لا تكونوا كالمتكبر على ابن أمه من غير ما فضل جعله الله فيه ...))

ويعتقد هؤلاء المنكوسون ان التكبر الفارغ على العباد , والترفع والغطرسة , واصطناع الهيبة الزائفة ؛ تعلي من شأنهم في اعين الناس ... , وصدق ابنُ المعتزِّ: عندما قال في امثال هؤلاء المسوخ : ( لمَّا عرَف أهلُ النَّقصِ حالَهم عِندَ ذوي الكمالِ، استعانوا بالكِبْرِ، ليُعظِّمَ صغيرًا، ويرفَعَ حقيرًا، وليس بفاعلٍ ) .

نعم ان السلطة تفضح المكامن الموجودة في دواخلهم وتكشف حقيقتهم المجرّدة ؛ فقوة السلطة تكشف شخصيّة المرء الحقيقيّة، وذلك عن طريق تحريره من الداخل، وفق ما توصّلت إليه الأبحاث النفسية ... ؛ فالسلطة لا تهذب الشخص وانما تكشفه ؛ فاذا وصل الأحمق مثلاً إلى السلطة فإنه من المرجّح أن يزداد حماقةً ، ويتصرّف بطريقةٍ عشوائيّةٍ وغير مدروسةٍ على الإطلاق، أما في حال تمكّن الشخص الشريف والحكيم من تولّي مقاليد الحكم، فإن السلطة لن تغرّه، بل على العكس، سيستخدم نفوذه من أجل مساعدة الآخرين وتلبية رغبات شعبه واعلاء راية وطنه . (1)

وقلناها ونكررها ان الفرق بين الواقع والمفروض كبير جدا ؛ اذ ان اغلبنا يظن خيرا بهؤلاء الساسة والمسؤولين وادعياء القيادة والزعامة ؛ بينما الواقع يكذب هذه الاماني ؛ فالبعض يعيش حالة الزيف مع الاخرين بل ومع نفسه ايضا , فلكثرة ما كذب صدق نفسه , وامن بأكاذيبه , وروج لها ...!!

هؤلاء يعيشون حياة الزيف والمظاهر الكاذبة والخداعة ؛ وتغيب الشفافية والمكاشفة والصدق والموضوعية عنهم ... ؛ الا ان البعض منا يكشف حقيقة هؤلاء بمجرد الاحتكاك بهم والتحدث معهم ؛ ومتابعة سلوكياتهم ومواقفهم ؛ وهذه المواقف وإن كنا نحسبها هينةً , ونرى أنها لا تستحق التعليق ... ؛ إلا أنها مؤشر على طبيعة حياة أصحابها ومكونات شخصياتهم ؛ بنظر الخبراء واصحاب الوعي والبصيرة .

إن التصنع الزائف و الايمان بالاعتقادات الطوباوية ورفع الشعارات الخيالية وطلب الكمال وهوس السعي خلف المثالية ... ؛ يعد من ابرز عوامل تدمير الشخصيات وارباك المجتمعات ؛ فهو يؤدي الى تعزيز المشكلات وتوالي الازمات والاضطرابات ؛ بالإضافة الى الصراعات النفسية وازدواجية الشخصية , وإلى التناقض بين الظاهر والباطن مما يولد اضطراباً وتشويشاً داخلياً ينسي الأمة والشخصية هويتها الحقيقية ويفقدها ذاتيتها الجوهرية .

.....................................................

1- السلطة تفضح الأخلاق وتكشف المستور... كيف تقيّمون أداء زعمائكم ؟السلطة تفضح الأخلاق وتكشف المستور...كيف تقيّمون أداء زعمائكم؟ / ايليج نون / بتصرف كبير .