قد يبدو ان السواد الاعظم من الناس ممن كان لهم حظ في التعلم او لم يكن ،يعلمون البيت الشعري: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت … فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا،و لسخرية الموقف و ليس الاقدار لان لا سخرية فيها كما يدعي الجميع انما فيها ما فيها من عبر و حكم،تجد هذا البيت شعار من بدا للاعمى فسادهم ،ولمس العاجز سقمهم،و تعقل المجنون من حمقهم ،انهم من يضعون الاخلاق عنوانا لخطابتهم و دليلا على صلاحهم،لكن الامر لا يستقيم هكذا ،الاخلاق كلمة رغم بساطة تشكيلها لا تحتمل تعريفا مباشرا حتى تكون صفة قابلة للامتلاك ،انها منظومة متكاملة الابعاد ليست سلوكية محضة،و انما لها تجدر روحي قبل كل شيء،بين المرء و نفسه قبل الغير ،اخلاقية التفكير و سمو المنظور،جمالية السلوك و انسانية العيش،انها انعكاس جلي للفطرة السليمة ،بمعنى الجوهر و لب الخلق الذي لم تمسه الدنيا بدرنها ،انها بدرة الرحمة المزروعة فينا ،قبس من النور الإلهي ،انها صورة الرحمة المهداة صلى الله عليه و سلم التي يجب ان تترسخ في اذهاننا ،وحسب المرء ان يقف عند قوله تعالى ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) حتى يدرك ان الاخلاق ليست امتيازا ينال و انما رحمة من الله و هداية.
هل نحن متخلقون؟ الجواب طبعا لا،قد يقول قائل انه لا يجب التعميم ،لكن اقول ان الاخلاق ليست محل بقالة نأخد حاجتنا منه و ننصرف ،يحق لنا القول اننا متخلقون متى شاع التسامح في شوارعنا،أحيائنا،محيطنا،بين الناس،اقاربهم و ابعادهم،وهل الامر كذلك؟ كلا،يحق لنا القول اننا متخلقون ،حين يحسن الظن بين الناس،حين نتوقف عن التصنيف فذاك علماني والآخر ملتحي و ذاك ملحد ،كأن قلوب الناس صارت كتابا يقرأه كل من هب و دب،رغم ان لا علم بها الا لدى ربها!،يحق لنا القول اننا متخلقون حين تتحسس في رخاءك اخا لك لم تلده لك امك في شدة ،حين يعلوك هَمُّ امتك و نوائبها ،حين يهمك امر صبي قد يكون في مستشفى قصي يأن دون معيل ،حين تفكر في الاعداد المهولة و المتزايدة لسكنة دور العجزة من الاباء و الامهات،حين تبادر لتلقين و تصحيح اخطاء العادات و الممارسات الخاطئة في نفسك،اهلك ؛جيرانك،حين تبادر لتعليم ابويك ان لم يكن لهما حظ في التعليم ،حين تلقن انسانا بسيطا مبادئ في الدين و الحساب،حين يؤلمك منظر العرب يقتتلون و كل يدعي انه ذو الحق،حين ترى حالة التيه لذى شبابنا؛هل نحن هكذا؟ لا قطعا،تكون متخلقا،حين تدعو بالتي هي احسن،حين لا تنسب لنفسك حكم الاله فتقول هذا ضال وهذا مهتد ،حين تعلم انه لا معنى لتكبرك حسبك هذه الاية لتعرف من انت ،يقول عزوجل "فلينظر الانسان مما خلق ،خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب و الترائب" حين تعلم ان الخطأ جزء منك لتتعلم و ترتق نحو الافضل بدل اللوم و التواكل و كيل المكيال بكيلين،حين تصمت عما لا يعنيك من اللغو فلا تخذل الحق في موضع نصرة إن استطعت و لا تنصر الباطل و تأخذك به عزة و انت اجهل الناس بما تقول؛ يسهل الحديث عن الاخلاق رغم اننا ابعد ما يكون مما هي عليه حقا،يكفيني قولا ان نتساءل اين التراحم الذي يجب ان يسود ؟اين منطق الصدق؟ اين الرحمة؟; بها نتعلم تقبل الاختلافات ففيها كذلك رحمة،بها نرسم طريق السمو و النجاح دون الحاجة لنمادج مستوردة،بها تكرم المرأة و ليس تحريرها كما نسمع فالاسلام لم يستعبدها قط يكفينا فخرا و إ جلالا ان نصف ديننا مأخوذ من امنا عائشة،بها تعلو همم الرجال ليبنوا صرح النماء،ربما سيكون هذا ممكنا في زمن مختلف ،فكل مانراه اليوم في مجتمعاتنا يؤكد اننا لسنا متخلقين ابدا ! و لا يسعنا سوى انتظار معجزة في زمن لا معجزات فيه حتى ينطق الحجر و الشجر عل قلب البشر يرأف ليعود لجادة الصواب و الاخلاق التي لا نماء و لا سير لمركبنا و لا نصر لقضايانا دونها !
التعليقات
ويبقى السؤال الى متى نحن بصدد الانتظار ، متى تحين تيك المعجزة ؟ على كل انسان ان يستيقظ من ثباته ليرتقي بنفسه وامته
اشكرك على مفهوم الاخلاق الموسع الذي قدمته