إذا لم تكن فهلوياً.. فحاول - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

إذا لم تكن فهلوياً.. فحاول

  نشر في 06 غشت 2018 .

الفهلوي، هو شخص متأقلم مع جميع الظروف، لديه القدرة الخارقة على تغيير جلده وقلبه وعقله.. بل ومبادئه أيضا إن أمكن ذلك، يُقنعك بجميع الأشياء وعكسها، خبراته الحياتية أعمق بكثير من أن تواجهها بقناعاتك المتحجرة، نظرته للحياة بكل تفاصيلها دائما يُجانبها الصواب، يجعلك تنبهر بتحليلاته التي ربما لا تروق لقناعاتك، لكنها تستوقفك طويلا.

تحوّلت الفهلوة من نتاج فكرة يحتكرها البعض في تعاملاتهم، إلى قانون يمشي بين الناس على الأرض، إذ تناقلتها الأجيال المتعاقبة، جيل بعد جيل، وأورثتها الحكومات في نفوس الناس بالبيروقراطية والضحالة، فاخترع الناس قانون الفهلوة، أسموه " خليك حدق ومشي حالك"، حتى باتت سمة يتميز بها قطاع عريض من الناس، بل ويفخرون بها، ومذ لك الحين أصبحت تلك الثقافة تمثل عائقاً كبيراً أمام أي محاولة اجتهادٍ أو طموح.

في واقعنا ستعرف قيمة تلك العبارة "خلي لسانك حلو"!، الذي يوصيك بها المقربين من حولك، أثناء دخولك معترك الحياة، يرسو بداخلك بعض القواعد التي جعلتهم في أماكنهم التي يغبطهم الكثيرين عليها، وكلما استمعت لهم، غالوا في نصائحهم الثمينة، ويا لها من سعادة إذا أصغيت لهم، ومكّنتهم من أذنيك، فسيقولك لك أحدهم ناصحا: "عشان تعيش في الدنيا لازم تتعلم تبلف اللي قدامك بكلمتين حلوين وهيسيح معاك زي الحلاوة". ثم يستطرد بعدما تمتلئ سحنته بثقة، حينما يغمر وجهك اندهاش مفاجئ: "انت لسه عضمك طري.. اسمع كلامي واعمل اللي اقولك عليه دون نقاش".

فالعبرة عند الكثير، ليست أن تكون موظفا أمينا، أو تاجرا شريفا، أو شخصا منضبطا في مواعيده،.. العبرة باتت كيف تسطيع "دهن الهوا دوكوا"، كيف يمكنك أن تقتنص الفرص وتختصر المسافات بأقل مجهود لتصل لمرادك، حتى ولو على جثث الآخرين!.

فأنت إذا كنت من أولئك الهادئين الهائمين، الذين يُنجزون مهامهم الوظيفية في صمت، دون أية ثرثرة أو ادعاءات فارغة، فغالباً لن تُكمل عامك الأول إلا وقد تعكر صفوك، ولو قمت بتحفيز نفسك وسط هذا الجو المشحون بالحقد، فلن تحظى بترقية تستحقها، وسيتهمونك بعدم المرونة والتكيف مع الوضع، وهم بالتأكيد لن يقصدوا المرونة التي تعتمل في عقلك، من تطوير مهاراتك، وتغيير استراتيجياتك.. لا.. لكنهم يقصدون مرونة الحديث "المدهنن" الذي يمتاز برائحة القُرُنّفُلّ.

وأما العجيب في الأمر، ستجد أن غالبية الذين يتمسكون بقانون الفهلوة ناجحين ومتصدرين وظائف خيالية، أما أولئك المتحذلقين "أصحاب نشر المبادئ، وتوعية المجتمع"، فإما جالسون يندبون حظهم في انتظار نجدة السماء أو مُحافظين على ما تبقى من وظائفهم، "بينما قلوبهم وعقولهم في عالم آخر". وتلك تحديداً آفة كبرى من آفات هذا الزمن. يُذكرني هذا المشهد بالحاصلين على الثانوية العامة، دائما أصحاب الـ 50% تجدهم في وظائف قيادية، أما أصحاب الـ 100% فغالبا لن تسمع لهم صوتاً.

لكن.. للفهلوة وجوه أخرى، فأظن أن بين هؤلاء الفهلوية، شخصيات درامية صنعها كُتاب روائيين وكُتاب سيناريست، منها على سبيل المثال لا الحصر، شخصية "المعلم عبدالغفور البرعي" و"المعلم إبراهيم سردينه" عن رائعة "لن أعيش في جلباب أبي" للمبدع الراحل إحسان عبدالقدوس. تحكي عن قصة صعود رجل من القاع إلى القمة، وتمسكه بالعادات والتقاليد.. أما ثاني أبرز شخصة روّجت للفهلوة، الحاج "متولي سعيد"، عن مسلسل "عائلة الحاج متولي"، للسيناريست والمؤلف الرائع "مصطفى محرم"، وتناقش تعدد الزوجات، ونهم الرجل الشرقي بالجنس الآخر.

جميعهم كانوا فهلوية من أرض الواقع، أظهروا الجانب المشرق للفهلوة، فهلوية في الحب، والسياسية، والتجارة، لكنهم لم يُروّجوا للكذب والخداع والتضليل، لم يفرضوا قانون المصالح الأعمى، لم يكونوا متجبرين يتحكمون في أقوت الناس، سايروا مصالحهم دون خرق للأعراف والعادات والتقاليد، وهذا كان دوراً محموداً لهؤلاء الكُتّاب والمؤلفين، الذين فتحوا منافذ أخرى للحياة ممزوجة بالخبرات الحياتية لهؤلاء واعتزازهم ببيئتهم التي نشأوا فيها.

وبحسب تصريح لأستاذ الطب النفسي، الدكتور أحمد عكاشة، أشار فيه إلا أن مصطلح الفهلوة، يتعلق بالمصريين، ولا يوجد لها مثيل أو مقابل لغوي في كل لغات العالم. وأضاف: "هو من نتاج الإنسان المصري القديم، فكان يستخدم الفهلوة هرباً من فرض الضرائب الباهظة من قبل الحكومة، فضلا عن حيلهم في تخليص مصالحهم المعطلة".

"إنّ العشوائية تختلق ثقافة، مثلما يختلق النظام ثقافة"؟!

فيا عزيزي: "إذا لم تكن فهلوياً، فحاول أن تكون فهلوياً، أو صاحب صديقاً فهلوياً".


  • 5

   نشر في 06 غشت 2018 .

التعليقات

ذكرني مقالك بعبارة كنت انا وصديقتي نقولها في كثير من المواقف التي واجهتنا وتحتاج الى فهلوة "لو كان يوجد دورات تعلم الفهلوة لكنا اول من سيحضرها " .
فاللهم ارزقنا الفهلوة .
2
محمود عبدالعزيز
واقع حزين،، لكني لا أشاركك الأمنية يا صديقي.
ربما يكون المقال به طاقة سلبية، لكني بالطبع لم أقصد الترويج للفهلوة،، بل كل ما أردت قوله، إن جلٌ كبير من الناس بدأ يستسهل الطريق، للوصول لمراده.

عافانا الله من هؤلاء، بصيغتهم غير المحمودة.

سعدت بمرورك،،
محبتي..
مقال في قمة الروعه أوجز فأنجز , مناقشة حقيقيه لواقع أليم , وبالتأكيد نستطيع كمصريين تغيير هذا الواقع , بالتوفيق وفى انتظار المزيد من ابداعاتك .
1
محمود عبدالعزيز
بالتأكيد نستطيع ذلك،،

شكرا جزيلا لكِ أستاذة هاجر،،
مرورك أسعدني كثيرا..
محبتي..
عمرو يسري منذ 6 سنة
للأسف هذا ما اكتشفته بعدما بدأت حياتي الوظيفية, الفهلوة هي الحل.
1
محمود عبدالعزيز
لا يا صديقي،،
هي واقع، لا يمكن نكرانه، لكنها ليست قاعدة..
فلنتمسك قدر استطاعتنا بالشيء الجميل الذي يسكن قلوبنا، فلعل القادم يكون أفضل..

دمت بخير،،
محبتي..
Ahmed Tolba منذ 6 سنة
دائما أصحاب الـ 50% تجدهم في وظائف قيادية، أما أصحاب الـ 100% فغالبا لن تسمع لهم صوتاً.
بالفعل لا نسمع عنهم بعد ذلك فهم ليسوا أصحاب كلام هم أصحاب حفظ فقط
1
محمود عبدالعزيز
لعل القادم يكون أفضل..
سعدت بمرور الكريم..
محبتي..
نورا محمد منذ 6 سنة
رائع أستاذ محمود , أعجبني كثيراً سردك للفكرة من البداية بالتدريج ثم إعطاء أمثلة من واقع الحياة ومما لامسناه جميعاً , فعلاً طرح شيق وإسلوب يصل للعقول بإمتياز .. تحياتي لك وبالتوفيق دائماً في كل كتاباتك القادمة يا مبدع :)
2
محمود عبدالعزيز
شهادة أعتز بها كثيرا يا أستاذة نورا،،
ممنون جدا والله،،
شكرا جزيلا لكِ،،
محبتي..

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا