إن أسوأ ما قد يعيشه الإنسان، هو صراعاته الداخلية؛ ذلك أن الصراعات الخارجية غالباً ما تنتهي وقد تكون لديه القدرة على التحكم فيها. أما الصراعات الداخلية، فهي مستمرة ومتجددة وخارجة عن إرادته.
ولا يعني ذلك أن الإنسان الطبيعي لا يعيش صراعات؛ فهي ليست حكراً على الأشخاص غير المتَّزنين أو المضطربين داخلياً. إنها جزء من الطبيعة الإنسانية التي تقوم على التفكير والتقييم. كما أن الإنسان قد يعيش أكثر من صراع داخلي في آن واحد، قد يعلن عن بعضها، ويبقى الكثير منها مخفياً، وهو ما قد ينعكس سلباً على حياته وتفكيره. ولا تكون الصراعات في داخل النفس دائماً بين الخير والشر، فقد تكون بين خيرين أو بين شرين.
الصراع الداخلي يرتبط غالباً بأمورٍ يجد الشخص صعوبة في الإفصاح عنها، البعض يخاف من نظرة الآخرين له أو أن يتم الحكم عليه من قِبلهم، والبعض يخاف من الإفصاح عن نقاط ضعفه للآخرين. وأصعب أنواع الصراعات، هي التي تضع صاحبها على المحك مع مبادئه، ففي كلا الحالين سيخسر شيئاً ما في حال اتخذ القرار.
قد يصل بك الأمر إلى الإحباط الذي سيدفعك إلى أحد أمرين: إما أن تتوقف عن المحاولات وتنهي الصراع وتعيش الركود الذي يتبعه روتين يومي قاتل، وإما أن تملك القدرة لمنْح نفسك فرصة لتعديل الاتجاه وإيجاد النور في خرم الإبرة، وهو الحل الذي يبدو نادراً رغم أن البعض يستطيع الوصول إليه.
يقول أحد المفكرين: "حياتي عبارة عن صراع لإجباري على عيش حياة تقليدية وعادية، بينما داخل عقلي حياة مليئة بالمغامرات ملحمية تفوق تصور أي أحد". وهذا التصور يعد من أكثر أنواع الصراعات شيوعاً، إنه صراع جدي وحقيقي بين الحياة التي نعيشها والحياة التي نريد أن نعيشها فهُما على نقيض دائم، فليس لدى الجميع القدرة على العيش في الحياة كما يتمنّونها. فنحن محكومون بقواعد وظروف وأشخاص وأشياء تحدّنا وتسيّرنا في الحياة التي نعيشها.
فإما أن نعيش كما تريد منا الحياة أن نعيش، وإما أن نتغير، ونتحدّى، ونجرَب، ونُخطئ، ونتعلم، ونعيش الحياة كما نريد. وفي كلا الأمرين صراع؛ بل صراعات، وفي كلا الأمرين ربح وخسارة.
ويبدو التوازن الأكبر هو العيش برضا مع محاولات مستمرة في التغيير نحو الأفضل واختيار الحلول الوسط بما لا يخالف مبادئنا، وإن كنا في كل مرحلة سنشعر وكأننا خرجنا عن المسار الذي رسمناه لأنفسنا وتعرضنا للخسارة ووصلنا إلى مكان لا نريده، لندخل في صراع جديد، وهذا هو جوهر الحياة؛ فنحن في صراع دائم معها، وهذا الصراع لا بد أن يدفعنا إلى التمسك بالإرادة والأمل في مواجهة المتاعب ومصاعب الحياة، فالإنسان المهزوم الضعيف لا يجيد استخدام قدراته البشرية العظيمة التي خلقها الله فيه.
إن المناخ الصحي الذي يضع الإنسان نفسه فيه خلال فترة الصراع مع الذات؛ كي يتغلب عليه، هو مناخ مفيد يقوي الشخصية ويعمق الشعور بالذات ويساعد على فهمها أكثر، فكلما تحدى ذاته ووضعها في منافسة وليس صراع لحل الأزمة الداخلية التي يمر بها، كان قادراً على الشعور بشكل أفضل؛ لأنه سيجد كيانه في تحدّيه لضعفه وخوفه.
من الصعب حقاً أن نختار أحد الطرفين في كثير من الصراعات، ولكننا نستطيع ذلك عندما نتوقف عن الهروب منها، من خلال مواجهة مخاوفنا وما يجعلنا أقل ثقة بأنفسنا، أن نبتعد عما يؤذينا ويضعفنا، أن نحاول -ولو لمرة- أن نكون كما نريد أن نكون ونتخلى عن أمور أرغمنا أنفسنا عليها، أن نحوِّل الصراعات إلى تحدٍّ ونتغلب عليها، أن نخرج بعد كل صراع أشخاص آخرين وقد اكتسبنا شيئاً جديداً أضيف إلى شخصيتنا سواء كان إيجابياً أو سلبياً؛ فالبعض قد يخرج من الصراع مكسوراً والبعض قد يخرج شريراً، والبعض الآخر يخرج أقوى وأكثر اتزاناً؛ بل يكتشف في ذاته نقاط قوة فيه لم يكن يعرفها.
لا يمكن لأي صراع داخلي أن يمر دون أثر أو تغيير، وحْدنا نستطيع التحكم في الآثار التي سيتركها فينا، ولنتذكر جميعاً هذه المقولة خلال أي صراع نخوضه بداخلنا لا يعلم به أحد سوى أنفسنا "قد يتحطم الإنسان ولكنه لا يُهزَم".
زينة مكحل
-
Zeina Mkahalاحمل شهادة في علم النفس ، مهتمة بالكتابة و العمل الصحفي الالكتروني و العمل الإنساني ، أؤمن بالتعلم الذاتي