يُروى أن ثلاثة ثيران كانوا في غابة، أحدهم أبيض، والثاني أسود، والثالث أحمر، وكان معهم أسد، فكان لا يقدر عليهم مجتمعين، فقال للثور الأسود والأحمر إنه لا يدل علينا في موضعنا هذا إلا الثور الأبيض، فإن لونه مشهور ولوني على لونكما، فلو تركتماني آكله لصفا لنا العيش بعد ذلك، وكُتم أمرنا، فقالا: دونك فكله! ثم قال للثور الأحمر: لوني على لونك فدعني آكل الأسود، فيصفو لنا العيش بعد ذلك، فقال له: دونك فكله! فأكله، ثم بعد أيام قال للثور الأحمر: إني آكلك لا محالة، فقال: دعني أنادي أولًا، فأذن له، فنادى بأعلى صوته: «ألا إني أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض!»
اشتهر العرب قديماً بعلم الفلك و الأنساب، و يبدو أن جينات التأريخ ما زالت تجري في عروق الأحفاد، اكثر من قرن و نحن نعدّ الصفعات و نقيم لها مهرجانات سنوية، مائة و ثلاثة أعوام على وعد بلفور.......اثنان و سبعون عاماً على النكبة...... ثلاثٌ و خمسون عاماً على النكسة....... سبع و ثلاثون عاما على مذبحة اوسلو البيضاء....... و الآن مائة يوم على "صفقة القرن" ، أعوام مضت و نحن من سقطةٍ إلى أخرى ومن ذلٍ إلى مهانة، كلما لاح في الأفق بصيص أمل أدركنا أن ما هذا إلا أضغاث أحلام و أن كابوس الانحطاط سيظل جاثماً على صدورنا، نجتمع في كل ذكرى مأساة لنرفض وجود هذا الكيان و نتوعده بالزوال على الإذاعات و القنوات، ثم لا تزول بعدها إلا كرامتنا و مزيد من أراضينا و فلذات اكبادنا، نشتم نصرخ نتظاهر ثم في اليوم التالي كأن شيء لم يكن، كجرعة هيروئين بنشوتها المؤقتة سرعان ما تزول.
«ألا إني أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض! »
و نحن أكلنا منذ أن صدقنا "مكماهون" بنفيه المزعوم للوعد المشؤوم، لقد سقطت فلسطين قبل أن يدوسها الصهيوني الأول، و ما زالت إلى اليوم تهوي أمام أعيننا بقايا ما تصدقو به علينا يوماً،
لست هنا بوارد اعادة سرد مجريات التاريخ، فلا داعي لذلك فها هو شاخص أمامنا ، فمن غاب عنه وعد بلفور فهاذا وعد ترمب بلقدس لليهود و من غابت عنه مجريات أوسلو و كامب ديفيد فها هي صفقه القرن، اما الرد العربي الرسمي فللأمانه لقد تحسن ، فقد كانت الموافقات و التبريكات تمرر من تحت الطاولات، اما الان فهي جلية وقحة و كأنهم يقولون لنا " على باب خيلكم اركبو"، أما الشعوب فمسيراتهم الهوجاء القديمة قد أصبحت مظاهرات الكترونية و "الترند الأول" عالمياً و كالعادة في اليوم التالي تزقزق العصافير و تطير الفراشات.
عزيزي أيها الشعب العربي، أنا اصدقكم عندما تقولون أن قلوبكم مع فلسطين و لكن صدقوني عندما أقول لكم أن عقولكم في سيقان النساء و أيديكم تلهث وراء الدولارات و ألسنتكم تدلس و تكذب هنا و هناك و أرجلكم تمشي في كل الطرقات إلا طريق فلسطين، لقد تبرعتم مشكورين بعشرات المنشورات و التغريدات عن القضية و لكنكم لم تضعو قرشاً في سبيلها.
صديقي، تستطيع بعد قراءة كلماتي أن تعود إلى غرامياتك و انشغالاتك، تستطيع أن تعود و تركب سيارتك الأمريكية و تحمل هاتفك الأمريكي و تكتب على الفيسبوك الأمريكي : «الموت لامريكا»
تستطيع أن تضع سماعاتك، فما فائدة الآذان إذا كانت اصماء
وأن تضع نظاراتك الشمسية، فكلنا كما العميان
وأن تغط في نومك، فنومنا و استيقاظنا سواء
و كما قال الماغوط منذ سنين "وبعد كل هذه اللفة والدورة سنجلس على الخازوق المعد لنا منذ عام 1948"