ارحموا من رأس ماله يذوب!
عن ضياع الوقت، وشعور عدم الإنجاز وبعض مسبباته!
نشر في 31 ديسمبر 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
ساعاتٌ قليلةٌ تفصلنا عن بداية عام جديد، أو دعنا ننظر لها بشكل أفضل كونها ساعاتٌ قليلةٌ تفصلنا عن انقضاء عام أخر من عمرنا، وقد فاز من استغل عامه في إنجاز ما أراد أو –على الأقل- قطع شوطًا في طريق ذلك وحاول صادقًا وأنجز ما أنجز بقدر ما استطاع.. أما مثلي ممن يشعرون وكأن عامهم قد نُهب منهم وانتهى سريعًا دون سابق إنذار أو حوار فما لنا من سلوى سوى العبرة والعظة وتدارك ذلك في أعوامنا القادمة لئلا تُسرق على حين غفلة منا.
كثير من الناس يدوّنون خطط مبدئية في مثل هذه الأيام في بداية عامهم –وكذلك أفعل-، وقبل كتابتي لخطط العام الجديد ألقيت نظرة على خطط العام المنقضي وما كتبت في وريقات فوجدت نفسي مدونًا بإنجليزية رثة متمنيًا أن يحمل لي عام 2018 التوفيق والإنجاز وتحتها خططًا لفترات أطولها العام كاملًا، ولا أعلم كيف مر عامٌ على ذلك! وكيف أكرر بعض الخطط لعامي هذا أيضًا وكأنها لم تُخط سابقًا!
الأمر مفزع صراحةً.. تخيل نفسك تنام فتصحو بعد عام من الآن مثلًا، العالم كما هو في ضجيجه والناس في سعي مستمر كعادة أغلبهم ولا يوجد على الأرض من ساكن غيرك والأموات، وقد أتممت العام كاملًا وأضيف إلى عمرك، وبالطبع لم تنجز فيه ما أنجزه العامة من أقرانك ولم تضف لنفسك أي جديد، ربما تحمل حينها عذرًا كونك كنت ميتًا ولم تكن لك حياة لتحقق شيئًا وتجد في قرارة نفسك رضا وعدم تذمر كونه أمر منطقي جدًا.. لكن ما عزاء من عاش كل لحظة في ذلك العام وقد فاته مثل ما فاتك تقريبًا، ولم ينتبه إلا قبل نهايته بسويعات؟
إن أمر الدنيا يا صديقي عجيب، لحظات تمضي، والفائز فيها من أدرك ذلك وعمل في يومه كأنه يموت غدًا وقد قال أحد الصالحين: "كن حريصًا على وقتك حرص رجل يبيع الثلج في ظهر يوم حار فهو يصيح في الناس ويقول: ارحموا من رأس ماله يذوب!"
ثمة أمور عدة تسبب هذا الشعور من ضياع الوقت ومروره سريعًا حتى أنك لا قد تكاد تجن.. دعني أذكر لك أمرًا، التأجيل والتماس الحجج سارقان لهم شريك واحد، هو أنت! لا تؤجل أي أمر تود الانتهاء منه ظنًا منك أنك مشغول بأخر أو أنه سيستغرق أعوامًا لتنتهي منه، وقد فعلت ذلك في أمر يتطلب أربعة أعوام من العمل والمواظبة للانتهاء منه انتظارًا لمرور أول عام لي في الجامعة والتمست لنفسي الحجج والأعذار ببراعة، وعامٌ جاء بعامٍ بعده، وحجةٌ جاءت بحجةٍ حتى انقضت السنوات الأربع والمحصلة في النهاية صفر وعلى ذلك فقس.. ربما لو بدأت حينها لكنت متمه الآن، لكنه التسويف الذي يقتل! وأذكر أن العرّاب د.أحمد خالد توفيق –رحمه الله- قال في مثل هذا: "لا تقض حياتك بانتظار أن تنتهي فترة كذا وفترة كذا.. أن تنتهي فترة الدراسة.. أن تنتهي فترة التجنيد الإجباري.. أن تنتهي فترة انتدابك في كينيا.. إلخ.. سوف تجد أن حياتك صارت مجموعة من الفترات يجب أن تنتهي وهوب! تكتشف أنك بلغت نهاية العمر ولم تنعم بحياتك يومًا واحدًا".
هناك أيضًا مواقع التواصل الاجتماعي، أحد أكثر الأشياء قتلًا للوقت هو التصفح المفرط لسخافات في أغلب الوقت، هي سلاح ذو حدين بالطبع نتاجه يعتمد على كيفية تعاملك معه لا نختلف في ذلك، وفي أحدها قرأت يومًا مقالًا كتبه أحدهم عن اضاعة الوقت في كثرة مشاهدة مباريات كرة القدم –وقد ابتلانا الله بحبها- ملخصه في جملة كتبها: "إن كرة القدم قضية من لا قضية له"، كذلك كل التفاهات التي نُفرط في الخوض فيها من حولنا.. تدبر القول ثانيةً، أن تعيش في الحياة قضيتك الوحيدة وجل اهتمامك أمر سخيف لا ينفعك ولا يعود بالنفع على غيرك، وإن كان لا يضر أحدًا غيرك.. فهونًا هونًا يا صديقي ولا تحسب كونك محاط بمن هم مثلك وتملكون نفس الاهتمامات أن هذه فقط هي الحياة ولا حياة غيرها، وكأنه تحيط بكم قناة كقناة طه حسين التي تنتهي عندها الدنيا.
ولو كان لي أن أندم على شيء واحد فقط إلى يومي هذا لندمت على ضياع وقتي في تفاهات لا تُحصى، وذكر أمرنا هاهنا لتعلم الدرس والعبرة لا للأسا على ما فاتنا، والأكيد أنه كما ضاع الكثير فسيضيع الأكثر إن واصلنا السير بنفس العقلية، وإن لم نتقدم خطوة فسنتراجع خطوات، وكل خوفي أن يذوب ثلجي دون نفع يُذكر -وإن كان ذوبانه محتوم- فلنجعل لمائه من بعده الأثر جنات يُنبتها في الأرض.. وأمر هذا كله في حسن تنظيم الأوقات وترتيب الأولويات، وصدق العزم وقبله حسن التوكل.
التعليقات
فكم من الناس من يتكلمون عن موضوع الوقت ساعات وساعات، وأنت تكرمت علينا بأن اختصرت لنا إياه وبلغة بليغة نافعة، بارك الله فيك
بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي تذكرت أحد الكتُّاب غير فكرتي عنها تماما، فقد ذكر أنها ليست جذابة لذاتها، وإنما هي (وسيلة هروب نفسي) عن المسؤوليات وعظيم الإنجازات
ما رأيك في فكرته أستاذ محمود؟