الصداقة الصادقة
الصداقة نعمة من نعم الله على الإنسان ، فقد يكون اكتساب الصديق الحقيقي صعباً ، إلا أن وقوفه إلى جانب الشخص الآخر قد يخفف عنه الكثير من أعباء الحياة ، فمسيرة الحياة طويلة ، وقد يصعب على الفرد المضي بها وحده ، وبما إن الإنسان كائن اجتماعي لا يستطيع العيش بعيداً عن المجتمع فإنه تتكون لديه العديد من علاقات الصداقة ، كما إن البعض منها قد يمتد حتى نهاية العمر مع الصديق الحقيقي ، والبعض الآخر قد لا تغيب عنه الشمس حتى تكون قد ذابت مثل ثلوج الشتاء في مقتبل الربيع.
قد يتساءل العديد من الناس عن الصداقة الصادقة ، حيث يرى البعض منهم إن الصداقة الحقيقية في طريقها إلى الزوال في عصر الماديات والضغوطات المختلفة ، بينما يتساءل آخرون عن كيفية إقامة صداقة وثيقة في زمن أصبح فيه من الصعب العثور على صديق مخلص ، بالمقابل قد يتجنب البعض الأخر الصداقات خوفاً من المشكلات المترتبة عن فشلها والاضطرار لمواجهة الألم والإحساس بالخيبة .
عزيزي القارئ ، قبل الغوص في أعماق الصداقة الصادقة يجدر بنا أن نقف على هذا المكون المعنوي الذي يعتبر من أسمى مبادئ المجتمع ، فالصداقة الحقيقية هي وجه الحب الذي لا يصدأ ، الصداقة هي الوقوف إلى جانب من نحب عندما يبتعد عنه كل الناس ، الصداقة الصادقة هي روح واحدة لشخصين تحابا في الله فرسخا بينهما أواصر الصداقة ، لا يستطيعان المضي بمفردهما ، فكل واحد منهما بحاجة للآخر في ظروف الحياة الصعبة .
الصداقة الصادقة هي منع الحنان وزهرة الغاردينيا التي تفوح عطرها في أعماقنا ، لأن الأزهار تعي تماماً بنفسجية الألوان ، وكذلك الصداقة التي تعي تماماً حب المشاركة في الحياة وقت الشدائد .
أصدقائنا هم كل ما نملك ، حتى ولو اختلفنا مع البعض منهم نتيجة لتصرفاتهم في ظروف الحياة القاسية، يبقون كل ما نملك في الحياة ، فلا نستطيع المضي وحدنا في هذه الحياة الممزوجة ألوانها ، كما إنهم لا يستطيعون أن يخطو خطوة واحدة إلا وهمساتنا وضحكاتنا تملئ أرجاء المكان .
فالصداقة روح واحدة في شخصين ، قامت علاقتهما على المصداقية والصراحة ، ابتعدوا عن التكلف والتصنع والمصالح ، وضعوا أسس الحياة والتضحية أمام أعينهم ، وتجاوزوا كل المطامع ، والصديق الحقيقي هو الوحيد الذي تمتزج دمعتك بدمعته عند الأزمات ، وهو من يضحك معك ويبكي معك ، لا من يضحك عليك .
كما إنها لغة الأرواح ومزج الأهداف ، هي لحن الخلود ومنبع العطاء ، هي تقاسم الأسى مع الأفراح وتناوب المرح مع الأتراح . فنحن في هذا المجتمع نكون بأصدقائنا، حتى إننا نكتسب صفاتنا وشخصيتنا من خلالهم، وكما يقال " قل لي من تصادق أقول لك من أنت " .
هذه هي الحياة ، نتسمى بها من خلال أصدقائنا ، وهذا إن دل على شيء فانه يدل على أهمية هذه الروح المعنوية التي تنغرس في نفوسنا ، أصدقائي ، انتم لي كل ما املك في هذه الدنيا ، انتم لي المظلة التي أظل بحاجتها دوما عند ما تهطل عليّ أمطار الحياة ، مهما اختلفتم معي ومهما أخذت على خاطري منكم تبقون لي الأخوة والأحباب ، وأنا معكم في السراء والضراء وفي الفرح والحزن وفي السعة والضيق والغنى والفقر .
فلو قررتم القفز من فوق جسور الحياة ستجدونني أول من يقفز معكم وأول من ينتظركم تحت الجسر لالتقاطكم ، لأنكم كل ما املك ، فانا أتعلم منكم وانتم تتعلمون مني ، فقد اخترنا المضي معاً في هذه الحياة حتى يتحمل كل منا الآخر ويخفف عنه، فالصداقة تبقى دائما نعمة من الله وعناية منا بها ، ولو اعش مئة عام فلن استطيع العيش من دونكم يوماً واحداً ، لأنني لا اشعر بنفسي من دونكم كما إنني سأبقى إلى جانبكم في كل الظروف والمواقف ، فعلى هذه المبادئ تربينا ومنها نستمد أفكارنا في هذه الحياة ، هنيئاً لي بكم وشكراً لوجودكم في حياتي .
فاطمة سالم النعيمي
-
فاطمة سالم النعيميكاتبة اماراتية