دفعتني احدى المقالات الرائعة إلى النظر في حقيقة الأشياء من زواية مغايرة . فكونك تتعلم شيء خير لك من أن تقرأ شيء لا تدرك اغواره العميقة ثم تصرف عن فحواه الذي يعز عن إدراك معناه أهل العقول القابعة على أسطح السطور . ومما تبادر إلى ذهني وأنا اغوص في تلك المعاني المتلاطمة بأن العقل لا يستطيع صياغة المعرفة الحقيقية المجردة لأنه هو بذاته اعجز من إدراك تفاعلاته الذهنية من وجه من الوجوه . ونقطة البدء هنا ترتكز على الأفكار التي يتعاطاها العقل لتشكل له رافداً معرفياً اساسيا ، ثم من جهة اخرى يتعاطى بطريقة تزامنية مع المشاعر التي هي من إفرازات العقل ذاته لترسم له صورة يعتورها النقص من كل جانب وهي مزيج من نتاج العقل الواعي واللا وعي في آن واحد وعلى سواء .
وبشكل مبسط بعيد عن دوائر الفلسفة وتعقيداتها فإننا نقول إن الشعور بالمشاعر لا يعتبر حقيقة مطلقة وإنما هي قناعات تسللت إلى العقل بطريقة ما ، ثم استقرت وعياً في منظور شخصي . فقد تشعر أنك ضعيف وغير فاعل من كلمة مسمومة من حاسد أو مبغض يكن لك كرهه الدفين ولكن حقيقتك غير تلك المشاعر الزائفة التي خُلقت من فضاء لا ينتمي لك . أو ربما ينتابك إحساس الموت وتكون أسيراً لقراراتك الماضية ومقيد بأغلال فشلك السابق ولكنك قادر على تجاوز ذلك كله إذا امتلكت بيدك هذه الحقيقة وهي أنك أنت لست مشاعرك . كل هذا يحتّم علينا الانفلات من قبضة ذلك الوهم ، وأن نمضي اقوياء في رحلتنا نحو المستقبل غير مكترثين كثيرا إزاء مشاعرنا المتقلبة بين فينة واخرى لأن وجودنا في هذه الحياة فريد من نوعه ومميز لنؤدي ادوارنا على اكمل وجه .
-
المسافريتألم الإنسان بالوهم اكثر مما يتألم بالحقيقة .